حلّ قانون تجريم الكراهية والتمييز على قلوب المواطنين، والمقيمين، والعابرين برداً وسلاماً، لقد نبذت الإمارات من قبل ومن بعد صدور هذا القانون كل ما يتعلق بالطعن في إنسانية هذا الإنسان من جميع جوانبه، وأرجع بذلك إليه كيانه الحقيقي. لقد جزأ الفكر المتطرف الإنسان إلى أجزاء غير متكاملة ومشوهة لأنه تعامل مع الإنسان على أكثر من مقياس فمرة يسأل عن دينه ليس للتثبت من حقيقته، بل للطعن فيه، ومرة أخرى عن مذهبه ليس للتمسك به بل لتفضيل غيره عليه، ومرة ثالثة عن جنسيته لغرس العنصرية البغيضة في عقله، وهناك من ينبش في لونه ولسانه أعربي أم أعجمي، وهكذا عندما يتغلغل فكر غائر في التطرف إلى أجزاء الإنسان الذي وحده ربه لأن الواحد الأحد يرسي دعائم العدل والقسط والإنصاف لكل الناس وليس للمسلمين فقط، وهذا هو روح هذا القانون الإنساني. ترى ماذا يضيف القانون إلى الإنسان الخالص البعيد عن أصابع الاتهامات الكارهة والمميزة؟ أهم شيء هو إعطاؤه حق المساهمة في بناء الحضارة في أي مكان حل فيه سواء كان من أهل البلد أم مهاجراً وساعياً لرزقه في كل الأصقاع لأن أهم شرط من شروط بناء الحضارات أن يكون الإنسان هو العنصر الأول فيه، وبعد ذلك تأتي الأرض والزمن، أي المكان والوقت، فلو توفر الاثنان دون الأول فلا يسمى ذلك بناء ولا عماراً. فالإمارات اليوم تقف أمام مشهد الحضارة العالمية فاعلاً في مجرياتها، مساهماً نشطاً في تطورها وتقديم كل ما يضيف إلى البعد الإنساني أبعاداً راقية. لا مكان في الدولة بعد اليوم مجالاً لأي إنسان يقدم على انتقاص شأن أخيه في الإنسانية، وهي الدائرة الأوسع من الدين والعرق والطائفة والمذهب وغير ذلك من المسميات التي فرقت الأم شذر مذر. فهذا القانون يزيد مكانة الإنسان المجرد سمواً ورفعة ويعيد ترتيب أولويات الناس في تعاملاتهم البشرية بالبعد عن كل ما يعكر صفو الوداد والتعايش السلمي وإرساء دعائم الأمن الاجتماعي والنفسي بين كل الفسيفساء الإنسانية في الكون وهذا أمر أحوج ما يصبو إليه العالم أجمع بلا تفرقة ولا مواربة. فالعالم اليوم يمر بمطبات عنصرية تغذيها أنفاس الكراهية البغيضة، وإلى أي جهة نظرنا، فإن الروائح الفكرية النتنة تخرج من أفواه من لم يرع في هذا الإنسان ديناً سمحاً ولا خلقاً عظيماً وعرفاً طيباً ولا عادة حسنة. فأصحاب العقول المعوجة والأفكار المرتجة لم يوقفهم أمر ولا نهي عند حدهم فقد خرقوا الحدود المرسومة والعقول البيضاء النقية وزرعوا فيها قنابل موقوتة مصنوعة من أوساخ النفوس العليلة والقلوب المريضة، وغلفوها بقشرة رقيقة من الدين المجني عليه من قبل شرذمة لا تعترف في هذا الكون الشاسع بشيء يذكر أو يذكّرهم بأن أفعالهم مجرمة وأقوالهم مسمومة. من هنا كان حرياً بالدولة الرشيدة والعقول الحصيفة أن يصدروا مثل هذا القانون لإعادة الحق إلى نصابه ونزع الشرعية المزعومة لدى قلة قليلة، جعلت من الدين الإسلامي مطية سهلة لتنفيذ مآربها وتدمير ما تبقى في هذا الإنسان من خيرية بأسماء موهومة. فهذا القانون الذي جاء بالدرجة الأولى لإنصاف هذا الإنسان من نفسه وإبراز كل ما يساهم في بناء مجتمعه من عمق سريرته، فلا يحمل بعد ذلك ضد من يشاركه ذات الإنسانية، ضغينة ولا كراهية وشحناء ولا من مشوهات الإنسان، لا في قلبه ولا في عقله أو نفسه، فالسلام الذاتي يتحقق مع تطبيق هذا القانون والسلم الاجتماعي سيسود أرجاء الدولة الآمنة.