أعتقد أننا بحاجة لرأي علماء الدين ليفصلوا في أمر رؤيتين دخلتا إلى البيوت العربية على لسان شخصيات مسلسل حارة اليهود الذي جذب انتباه الملايين. لقد جاءت الرؤية الأولى على ألسنة شخصيات مثلت بعض المسلمين المتشددين مثل شخصية خليل الطورشجى وابنه حسن وصديقته الشابة فاطمة التي تأثرت بأفكاره، وهى رؤية تعتبر اليهودي عدواً كافراً لا تجوز مصاحبته أو الوثوق به أو حتى السير في جنازته! أما الرؤية الثانية فعبرت عنها شخصيات معتدلة مثل تاجر الزبادي والد بطل المسلسل الضابط علي ومثل الضابط نفسه المغرم بجارته اليهودية ليلى، وهي رؤية يغلب عليها الاعتدال فتتعامل مع الجيران اليهود في الحارة كشخصيات إنسانية تجب معاملتها طبقاً لسلوكها الشخصي وليس لمعتقدها الديني. إن الرؤية المعتدلة تأتي فى إطار مفهوم المواطنة الذي يساوي بين جميع المواطنين أياً كانت ديانتهم أو جنسهم أو لونهم، وهو المفهوم الذي يتبناه مؤلف العمل الدرامي التليفزيوني. لقد حرص المؤلف على التمييز بين اليهودي الذي يعيش في حارة اليهود بمشاعر المواطن المصري والذي يرفض في الأربعينيات اتباع الدعوة الصهيونية أو المساهمة في نشاطها العدواني ضد فلسطين وبين اليهودي الذي يخرج من الحارة لينخرط في النشاط الصهيوني ويسافر إلى فلسطين ليشارك فى الحرب ضد الجيش المصرى عام 1948. لقد جسد اليهودي الأول التاجر هارون وابنته ليلى عشيقة الضابط المسلم علي، ومثل النوع العدواني موسى ابن التاجر وصفوت الثري اليهودي الذي كان يمول أنشطة الحركة الصهيونية الساعية لتهجير الشباب اليهود إلى فلسطين. وأوضح المؤلف فى مشاهد عديدة أنه يدين هذا اليهودي العدواني ويعتبره عدواً وبالتالي أصبح اليهودي صاحب المشاعر الوطنية موضع خلاف بين الرؤية المتشددة والرؤية المعتدلة. إن رأى علماء الدين مطلوب في هذا الخلاف، خاصة أن هناك مشهداً يتم فيه استخدام آية من القرآن الكريم والتعليق عليها. لقد جاءت الآية على لسان فاطمة، أخت الضابط علي، المتأثرة بأفكار خطيبها المتشدد، حيث قالت لأخيها إنها لا ترى فارقاً بين اليهود المصريين المسالمين وبين اليهود الصهاينة المعتدين على فلسطين؛ فالنشأة واحدة، وهنا يتساءل علي شقيقها: لا أعرف متى أصبحت متزمتة! فترد عليه بالآية «ولتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون). وهنا يعلق الضابط بما معناه أن أخته تعرف الآية لكنها لا تعرف سبب النزول، إذ نزلت في يهود معينين في وقت معين. هكذا يواجه المشاهد فهمين للآية، الأول فهم فاطمة التي ترى أنها آية تنطبق على عموم اليهود بمن فيهم اليهود المعاصرون حتى لو لم ينتموا لجيش العدوان الصهيوني الذي اغتصب فلسطين، والثاني فهم أخيها الذي لا يرى انطباق الآية على اليهود المسالمين المعاصرين. لقد راجعت عدة تفاسير للقرآن الكريم، منها تفسير القرطبى وابن كثير ومحمد سيد طنطاوي، فوجدت أن الفهمين المذكورين على لسان شخصيات المسلسل موجودين وواردين حيث يقول الشيخ طنطاوى: «قال الألوسى والظاهر إن المراد من اليهود العموم أيا من كان منهم بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة وغيرهم.. وقيل المراد بهم يهود المدينة». إذن لقد أورد المؤلف الرأيين كلٌ على لسان شخصية، ويبقى المشاهد بحاجة إلى من يرجح أمامه أحد الرأيين وهنا يأتى دور علماء الدين الحنيف.