ريتشارد ستينجيل* دعونا نفحص الرواية السائدة في أجهزة الإعلام بشأن أن الولايات المتحدة «تخسر الحرب الرقمية» ضد تنظيم «داعش». تقول هذه الرواية: إن الأفلام التي يبثها التنظيم عن عمليات قطع رؤوس بشعة، وإعدامات بالحركة البطيئة، قد كسبت لهم تأييداً بنسبة لا تتجاوز 1? من أصل مليار وستمئة مليون مسلم. تلك النسبة هي التي تؤيد أعمال التنظيم، أما نسبة من يؤيدون أهدافه فتبلغ 5? تقريباً. هذه ليست نسبة تافهة بالطبع، لكنها لا تعني أن التنظيم تلك المعركة. بعد ذلك، دعونا نفحص ما يسميه الإعلام «المشاركة» على وسائل التواصل الإجتماعي. تبين من خلال إحصائية أجريت أنه كان هناك 230 ألف ذكر للجماعة عبر مختلف منتديات وسائل التواصل الاجتماعي خلال يوم واحد العام الماضي. ربما يبدو هذا عدداً كبيراً للوهلة الأولى، لكنه في الحقيقة ضئيل إذا قورن بعدد المرات التي تذكر فيها أسماء فرق موسيقية أو فرق كرة قدم شهيرة. بل إنه طبقاً لبيانات «مركز الاتصالات الاستراتيجية المضادة للإرهاب» التابع للحكومة، فإن معظم التعليقات التي ورد فيها اسم التنظيم كانت سلبية. وإذا ما ألقينا نظرة على «خط التوجه العام» فسنجد أن المحتوي المناوئ لـ«داعش» يتزايد باستمرار، وبالتالي فالتنظيم لا يكسب. يعتقد المحللون أن عدداً يتراوح بين 500 و2000 مشجع متحمس لـ«داعش» (نطلق عليهم مجاهدي الهاشتاج) هم الذين يهيجون الحركة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتصف دراسة أجراها معهد بروكنجز هؤلاء بأنهم «مجموعة صغيرة نسبياً من المستخدمين فائقي النشاط»، ومعظمهم يعيش في أماكن سيطرة «داعش» بالعراق وسوريا. ويمكن وصف «داعش» بأنه «ماركة حصرية» بسبب نجاحه في كسب عدد من المعجبين، لكن وسائل الإعلام الغربية هي التي جعلت ذلك العدد حاشداً. فـ«داعش» يهدف لترويع الغرب من خلال استخدام أسلوب «الصدمة والرعب»، القائم على مشاهد العنف المروع المنتمي للقرون الوسطى، وهو ما حقق فيه نجاحاً ملحوظاً. لكن أولوية «داعش» الأهم هي لاجتذاب المقاتلين الأجانب. وسوء الإدراك الهائل السائد في حرب المعلومات يثير التساؤل: هل عنف «داعش» ودعوته للطهر والنقاء هما ما يجتذب المجندين المحتملين، أم أن الإحباط والبطالة المزمنة والافتقار للتعليم وعدم توافر منافذ التعبير الحر.. هو الذي يفعل ذلك؟ إن الرسالة التي يريد «داعش» توصيلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رسالة مغرية لأنه يعرف أن هؤلاء الشبان يبحثون عن المعنى والهدف في حياتهم. والمحتوى الذي يوجهه «داعش» لهؤلاء مصمم بطريقة تجعله (أي «داعش» نفسه)- نبيلا وبطولياً ومضحيا من أجل الغير. خلال العام الماضي عرفنا الكثير عن الطرق الأكثر فعالية للرد على أسلوب «داعش» في توصيل الرسائل عبر وسائل التواصل الاجتماعي. أولا، دعونا نتناول تلك الشريحة الصغيرة من المقاتلين المحتملين. في رأيي أن الرسائل المضادة الأكثر قوة هنا هي الرسائل المبنية على الحقائق، والرامية لتفكيك الصورة المثالية، مع التركيز على الجوانب التي يشتكي منها هؤلاء المقاتلون، مثل: عدم وجود وظائف، وعدم القدرة على الزواج، وما تعانيه أسرهم من فاقة، وعدم وجود دورات مياه نظيف، والأسوأ من هذا كله، بالنسبة لتلك الفئة من «مجاهدي الهاشتاج»، هو وجود نفاذ محدود للإنترنت في الأماكن التي فرض فيها التنظيم سلطته. ثانياً، التركيز على الوصول إلى العدد الأكبر من المسلمين في مختلف أنحاء العالم. ينبغي أن يكون هذا هدفاً لا يقل أهمية عما سبق، وأن نعمل على التعاون مع حلفائنا لتحطيم أسطورة «داعش»، من خلال حملات إعلامية مصممة محليا تستهدف مواقع التواصل الاجتماعي. وكما قال أوباما مؤخرا: «فإن الإيديولوجيات لا تتم هزيمتها بالسلاح بل من خلال أفكار أفضل». وفي هذا السياق، لدينا أرقام في صالحنا، منها مئات ملايين المسلمين الذين يرفضون «داعش» وكل ما يمثله. وبدعم الولايات المتحدة، وشركائنا في الشرق الأوسط يمكن جعل المزيد والمزيد من أصوات هؤلاء مسموعة، بحيث يمكننا القول عندما يتعلق الأمر بحرب المعلومات، إننا نكسب أرضاً وزخماً في آن. ---------------- *وكيل وزارة الخارجية الأميركية للدبلوماسية العامة والشؤون العامة ------------------------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»