مع اتخاذ إيران موقفاً دفاعياً بشأن الدولة السورية الآخذة في الانكماش، والمحكومة اسمياً من قبل بشار الأسد، يرد إلى الذهن سؤال محوري هو: من الذي سيحل في نهاية المطاف محل العشيرة الحاكمة، إذا ما عجزت إيران عن إبقاء زبائنها على قيد الحياة؟ الإجابة على السؤال معقدة من جهة، ومبشرة بالأمل للبعض من جهة أخرى، وهي «أن الحكم الذاتي في المستويات المحلية، يرسخ جذوره في سوريا، ويشكل الأساس لما سيأتي لاحقاً». من التجارب القليلة، التي تبعث على التفاؤل في السياق السوري الحالي، أن يحظى المرء بمقابلة ناشطين سوريين شبان، كما حدث معي مؤخراً في مدينة غازي عنتاب التركية، عندما قال لي محام قابلته هناك شيئاً لفت انتباهي بشدة، وهو: «إن ما يحدث في سوريا الآن ليس ثورة ضد بشار الأسد، وإنما ثورة من أجل الحكم الذاتي». وهذا الشاب يقصد بالحكم الذاتي، تلك المجالس المحلية التي شكلها الناشطون غير المسلحين منذ بداية الانتفاضة في سوريا، وتحت أسوأ الظروف الممكنة، بغرض تقديم الخدمات لجيرانهم في المناطق المنكوبة. لا شك أن ذلك يمثل اتجاهاً ثورياً واضحاً، خصوصاً إذا ما تذكرنا أن عائلة الأسد ظلت طيلة عقود طويلة تركز في يدها جميع أدوات الحكم والسلطة. وفي ظني، أنه إذا لم تتمكن إيران من مساعدة الأسد على إعادة إخضاع بلاده لنفوذ أسرته، فإن أيام حكم عائلة الأسد ستكون قد انتهت. وتوجد حالياً مئات المجالس المحلية في مختلف أنحاء سوريا غير الخاضعة لحكم الأسد، وهذه المجالس تتلقى المساعدة من قبل شبكة واسعة من منظمات المجتمع المدني، وذلك شيء جديد لسوريا، ويشكل جوهر ثورتها. إن الرجال والنساء الذين يضحون بحياتهم في مناطق الحكم الذاتي من أجل جيرانهم، هم أبطال بمعنى الكلمة، يمثلون نخبة المستقبل السياسي لسوريا، لكن ما يبعث على الأسى أنهم غير معروفين لحد كبير، مما يجعل مسألة وضعهم في المجرى الرئيس للسياسة السورية، أمراً في غاية الأهمية. التحدي المطروح الآن، هو إقامة روابط بين المعارضة السورية في المنفى، والمعترف بها من قبل الولايات المتحدة، وغيرها من الدول، كممثل شرعي للشعب السوري، وبين هؤلاء الموجودين على الأرض، والذين يكتسبون الشرعية عبر الخدمات الجليلة التي يقدمونها لمجتمعاتهم المحلية. بعد أن منحت الولايات المتحدة اعترافها للمعارضة السورية في المنفى عام 2012، عليها أن تكثف جهودها حالياً لإعداد هذه المعارضة للحظة الحاسمة، للحكم إذا ما توافرت الفرصة لقيام ملاذ آمن محمي. والمؤسف أن الصلات بين زعماء سوريا المستقبليين، وبين القائمين على الحكم الذاتي الفعلي على الأرض، في المناطق غير الخاضعة للأسد، وغير الواقعة ضمن الأراضي المستولى عليها من قبل «داعش»، واهية لحد كبير. ويشتكي الناشطون من أن الزيارات التي يقوم بها مسؤولو المعارضة السورية، الذين يتخذون من تركيا مقراً لهم، قليلة وتتم على فترات متباعدة، وتحت طي الكتمان. ويمكن القول، إن المساعدة المقدمة من دول أوروبا الغربية للمجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني، كانت ممتازة في أغلب الأحوال، أما الرعاية الأميركية المباشرة للسوريين في المنفى، والذين كانوا يتركون غالباً للأتراك ودول عربية أخرى، فكانت أقل مما يجب، بدرجة تدعو للأسف. البديل لنظام الأسد، لابد أن ينبع من القواعد الشعبية السورية، وهو بديل يحتاج لرعاية وحماية من قبل الولايات المتحدة وشركائها، كما يحتاج لربطه بالتكوينات السورية الخارجية المعترف بشرعيتها من قبل الغرب. والفشل في القيام بذلك حتى الآن هو ما يفسر المخاوف الغريبة المعبَّر عنها أميركياً من حين لآخر، ومنها أن الأسد ربما يسقط بـ«وتيرة أسرع مما ينبغي»! ما يمكن قوله، هو أن قادة الحكومات المختلفة الذين يتباكون على الغياب الواضح للبدائل، لم يفعلوا سوى أقل ما ينبغي بكثير، لتقديم الرعاية لتلك البدائل، وفشلوا في الوصل بين النقاط، أي بين القادة المستقبليين في المنفى، وهؤلاء الذين يقودون ثورة الحكم الذاتي داخل سوريا. فريدريك سي. هوف: زميل رئيسي في مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»