تحطمت الحصافة المعتادة بين طبقة المعلقين والنقاد الأميركيين خلال هذا الصيف من خلال النجاح السياسي الاستثنائي للمرشح المحافظ «دونالد ترامب» والسيناتور «بيرني ساندرس» وهو اشتراكي يبلغ من العمر 73 عاماً ويمثل ولاية فيرمونت في مجلس الشيوخ الأميركي. والاثنان مرشحان عن الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي على التوالي، لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2016. كما تمكن كلاهما من جذب جماهير في التجمعات السياسية التي تقام عبر الولايات المتحدة. وكلاهما أيضاً يشير إلى أن واشنطن مختلة وظيفياً بشكل تام وأن الأميركيين العاديين منهوبون من قبل «وول ستريت» والتجارة الحرة والنظام الضريبي الجائر. وعلاوة على ذلك، فقد جعل ترامب الاعتراض على قوانين الهجرة الأميركية عنصراً أساسياً في حملته، وبذلك لمس وتراً حساساً لدى الناخبين البيض الذين يشعرون بالغربة في ولايات تواجه تحديات خطيرة من أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين، الذين يأتون من المكسيك عبر حدود تخضع لرقابة ضعيفة. ولا يدين ترامب بالفضل لأي مانحين أثرياء، نظراً لأنه يستخدم ثروته الخاصة في تمويل حملته ويعتمد على الدعاية المجانية لعرض قضيته على الشعب. وهو حالياً يتصدر استطلاعات الرأي بين الناخبين الجمهوريين المحتملين، وسيكون المرشح الأوفر حظاً في أول مناظرة تليفزيونية للجمهوريين في 6 أغسطس عندما تختار قناة «فوكس نيوز» أول عشرة أسماء من بين 16 مرشحاً استناداً إلى مكانتهم في استطلاعات الرأي الأخيرة. أما ساندرز، فعلى الرغم من أنه يأتي في المرتبة الثانية بعد هيلاري كلينتون في استطلاعات الرأي، إلا أنه برز كمتحدث له كاريزما يجذب حشوداً كبيرة حتى في الولايات الجمهورية التقليدية مثل لويزيانا وتكساس. وقد أدت جاذبيته ورسالته إلى جعل هيلاري كلينتون تعير الكثير من الانتباه لرغبات وآلام القاعدة الديمقراطية التقليدية وبغضها لـ«وول ستريت» والخوف الحقيقي من الفجوة المتزايدة بين الأميركيين العاديين والأثرياء الذين يمثلون 1 في المئة من الشعب لكنهم يملكون معظم الثروة. وعلى النقيض من ترامب، فإن ساندرز يلقي بعض الخطابات الشائنة وقد أبعد عدداً قليلًا من الديمقراطيين الذين يعتبرونه نوعاً من الأبطال. ومن غير المرجح أن يفوز بترشيح الحزب ما لم تحل كارثة ما بحملة هيلاري كلينتون. ومن المحتمل أن يكون مؤيداً مهماً لهيلاري ويساعد على توحيد الحزب للعمل من أجل فوزها إذا كانت هي المرشحة. وبالنسبة لترامب، فهو قصة مختلفة تماماً. فقد خرج عن طريقته ليهين ويستفز ويسخر من خصومه الجمهوريين، وبذلك ضمن لنفسه تغطية إعلامية واسعة النطاق كل يوم. لكن إلى متى ستستمر هذه المسرحية العامة؟ هذا لا يزال لغزاً. قبل أسبوعين، قام ترامب بإهانة زميله في الحزب الجمهوري وعضو مجلس الشيوخ «جون ماكين» من خلال الإشارة إلى أنه لم يكن بطلًا منذ أن تم القبض عليه واحتجازه في السجن في شمال فيتنام لمدة خمسة أعوام ونصف. وفي ذلك الوقت، صرح العديد من المسؤولين الجمهوريين بأن ترامب قد تجاوز خطاً وأن شعبيته ستتراجع. بيد أنهم كانوا مخطئين: فقد ازداد قبوله. ومن أجل النضال للحصول على وقت وسائل الإعلام الثمين، يوازن منافسو ترامب من خلال تصريحاتهم الشائنة وبالمقارنة، فإن اندفاعات ترامب تبدو شبه طبيعية. وهذا يمثل تحدياً وجودياً للحزب. فإذا ما واصلوا مهاجمة ترامب، فإن باستطاعته دائماً التهديد بخوض الانتخابات كمرشح لحزب ثالث مستخدماً ماله الخاص. وكانت آخر مرة يحدث فيها ذلك بطريقة خطيرة خلال الانتخابات الرئاسية لعام 1992 عندما ترشح ملياردير تكساس «روس بيرو» ضد جورج بوش الأب وبيل كلينتون. وقد جعل «بيرو»، الذي حصل على ما يقرب من 19% من الأصوات على المستوى الوطني، من المستحيل فعلياً بالنسبة لبوش الفوز بإعادة انتخابه. وعلى الرغم من أن بوش وساندرز يتصدران الأخبار السياسية في صيف عام 2015، إلا أنه لا يزال هناك ما يزيد على 15 شهراً قبل إجراء الانتخابات في نوفمبر 2016، والكثير يمكن أن يحدث في هذه الأثناء. لكن على فرض أن نجم ترامب سيتراجع في وقت ما خلال الأشهر المقبلة، فإن السؤال الحقيقي هو ما مدى الضرر الذي سيلحق بالجمهوريين، وهل سيكون بوسعهم استعادة نشاطهم لشن حملة خطيرة ضد هيلاري كلينتون؟ وفي الوقت نفسه، يرقب العديد من الأميركيين ملحمة ترامب وساندرز ويشعرون بالمرح، لأن طبقة المحللين والنقاد السياسيين أثبتت أنها مخطئة في الكثير جداً من تنبؤاتها.