منذ بداية عصر الفضاء في ستينيات القرن الماضي تم إطلاق أكثر من 5 آلاف صاروخ ومكوك حمل كل منها غالباً قمراً صناعياً أو أكثر وُضعت جميعها في مدارات متباينة حول الأرض لأغراض المراقبة والمتابعة، أو الاتصالات، أو تحديد المواقع، أو غيرها من الاستخدامات. وتتعرض هذا الأقمار الصناعية، بعد انتهاء صلاحيتها وانقضاء عمرها الافتراضي إلى التصادم ببعضها بعضاً مما يُفككها، ويُجزئها إلى أجسام صغيرة من الحطام. ويقدر حالياً وجود أكثر من مئة مليون جزيء، أو جسيم صغير، تطير وتدور حول الأرض بسرعة تزيد عن 28 ألف كيلومتر في الساعة. وهي سرعة أعلى بكثير جداً من سرعة الصوت، التي تبلغ مجرد 1236 كيلومتراً في الساعة، وثمانية عشر ضعف سرعة الرصاصة التي لا تزيد عن 1500 كيلومتر في الساعة. وتشكل عشرات الملايين من تلك المقذوفات هائلة السرعة، خطراً جسيماً على الأقمار الصناعية العاملة حالياً، وعلى كل ما يحاول الإنسان أن يضعه في الفضاء الخارجي، وهو ما يتضح من حقيقة أن محطة الفضاء الدولية خلال العام الماضي، اضطر رواد الفضاء المقيمون عليها لتغيير موقعها ومسارها ثلاث مرات، لتفادي الاصطدام بإحدى تلك المقذوفات. ومما يزيد الطين بلة، أن مجال تصنيع، وإطلاق، ووضع أقمار صناعية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات في مدارات حول الأرض -والذي كان مقصوراً سابقاً على الحكومات ووكالات الفضاء الوطنية- أصبح في السنوات الأخيرة مجالا مفتوحاً أيضاً للشركات الصغيرة، التي نجحت بالفعل من خلال الإبداع والابتكار في إحداث ثورة في مجالات استخدام الفضاء. فعلى سبيل المثال أظهرت شركة Planet Labs، بالاعتماد على ميزانية صغيرة، قدرتها على تغيير مفهوم تصوير كوكب الأرض من الفضاء، والحصول على صور عالية الوضوح للكرة الأرضية، يمكن توظيفها في العديد من التطبيقات والاستخدامات، من خلال ما يعرف بالأقمار المكعبة Cubesats، صغيرة الحجم ومنخفضة التكلفة. وعلى المنوال نفسه تخطط شركات أخرى مثل SpaceX، وشركة OneWeb، لوضع منظومات أو مجموعات كاملة من الأقمار الصناعية صغيرة الحجم، منخفضة التكلفة، في مدارات حول الأرض. وهو ما أثار القلق والمخاوف لدى وكالات الفضاء الوطنية والدولية، من التبعات طويلة المدى لتسارع انتشار استغلال الفضاء الخارجي لأغراض تجارية. وتتركز هذه المخاوف، على وجه الخصوص، على مخاطر الاصطدام بين هذه الأقمار الصناعية بعضها ببعض، أو بجسم صغير من النفايات الفضائية الموجودة حالياً بالفعل، وهو ما سيتطلب المزيد من المناورات لتجنب وقوع مثل تلك الحوادث، تماماً كتلك المناورات التي تضطر لها المحطة الفضائية الدولية حالياً بين حين وآخر. وإذا ما وضعنا في الاعتبار أهمية المهام والوظائف التي تؤديها الأقمار الصناعية حالياً وفي المستقبل، يمكننا القول إن جزءاً كبيراً من حضارة القرن الحادي والعشرين، أصبحت ترتكز ارتكازاً أساسياً على الأقمار الصناعية، نتيجة اتساع مهامها وتنوع استخداماتها. ففي مجال الاتصالات الشخصية مثلاً أصبحت الأقمار الصناعية وسيلة رئيسية لتوصيل المكالمات الهاتفية بين الدول بعضها ببعض، وفي مجال الترفيه أصبحت الأقمار الصناعية وسيلة لإيصال مئات القنوات التلفزيونية إلى المشاهدين حول العالم، وفي مجال الطب وجدت الأقمار الصناعية مكانها من خلال الطب الاتصالي والجراحة عن بعد والتعليم الطبي المستمر. وفي مجال البيئة وظفت عشرات الأقمار الصناعية لمراقبة المحيطات، وطبقة الأوزون، والرياح، والأمطار، والفيضانات، وحرائق الغابات، وغيرها من المؤشرات المناخية والمتغيرات البيئية. وحتى في المجال العسكري، أصبحت تلك الأقمار سلاحاً لا يمكن الاستغناء عنه على أرض المعركة. ففي بعض الحروب التي دارت رحاها خلال العقدين الماضيين مثلًا، وظفت الأقمار الصناعية بشكل مكثف لم يشهده تاريخ العمليات العسكرية من قبل. ولذا، وفي ظل تنوع وتعدد استخدامات الأقمار الصناعية أصبح من شبه المستحيل تخيل الضرر الممكن أن يصيب نمط وأسلوب الحياة الحديثة التي تتمتع بها المجتمعات البشرية حالياً، إذا ما أدى تزايد النفايات الفضائية بنفس معدلاته خلال العقود القليلة الماضية، للحد من استخدامات وتطبيقات الأقمار الصناعية. وبناء على حقيقة عدم وجود سلطة مركزية، أو هيئة أو منظمة دولية، لتنظيم استغلال الفضاء الخارجي والمدارات المحيطة بالأرض، أو حتى لتوفير الدعم والإرشاد لمن يرغب في الاستفادة من هذا الفضاء تجارياً أو اقتصادياً، يتوقع أن تزداد المشكلة تعقيداً بمرور الوقت، لتقع عواقبها على أكتاف الأجيال القادمة، التي يبدو أنها ستتحمل وزر الكثير من تبعات سوء الاستخدام، والتلوث بالسموم والنفايات، سواء على سطح الأرض، أو في الفضاء الخارجي.