كانت الساعة تشير الى الحادية عشرة وثانيتين من قبل ظهر يوم التاسع من أغسطس من عام 1945 عندما هبط غضب من السماء فوق مدينة ناكازاغي في اليابان. كان ذلك قنبلة نووية. وكانت الثانية التي تلقي بها الولايات المتحدة على اليابان. كانت القنبلة الأولى قد ألقيت على مدينة هيروشيما قبل ذلك بثلاثة أيام. سقطت القنبلة فوق الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في المدينة والكنيسة الأكبر في كل آسيا. وقد أدى انفجارها إلى مقتل أربعة وسبعين ألف ياباني على الفور كان من بينهم 150 عسكرياً فقط. وأصيب 75 ألفاً آخرون بجراح، إلا أنهم سرعان ما لقوا حتفهم نتيجة الإشعاعات النووية. لم يعرف الأطباء اليابانيون في ذلك الوقت كيف يعالجون الجرحى، فالانفجار النووي كان الأول من نوعه. ولم يكن الطب على معرفة بكيفية التعامل مع الإصابات بالأشعة. بل لم يكن الأطباء اليابانيون خاصة على علم بمضاعفات الإصابات بالأشعة وبما تخلفه من حروق في الأعضاء الداخلية، ومن انتشار في الإصابات السرطانية وتداعياتها.. ثم إن الولايات المتحدة فرضت حظراً شاملاً على تسريب أي معلومات حول هذا الأمر إلى اليابان! كان الجنرال الأميركي «لسلي غرومز» مديراً لمشروع مانهاتن، وهو المشروع الذي أنتج السلاح النووي الأميركي. وبعد إسقاط القنبلتين على هيروشيما وناكازاكي استدعي للإدلاء بشهادته في جلسة سرية أمام الكونجرس الأميركي حول نتائج الانفجار النووي وانعكاساته على الإنسان. وتكشف وقائع جلسة الاستماع أن الجنرال «لسلي» قال لأعضاء الكونجرس: «إن الموت المترتب عن الإصابة بالإشعاع النووي هو نوع من الموت الرحيم، لأن المصاب لا يشعر بشيء من الألم. بل إنه -حسب وصفه- يموت "بطريقة سعيدة"»! غير أن وقائع «الموت السعيد» سجلت «خروج العيون من محاجرها».. و«تساقط الجلود عن أعضاء الجسم»، إلى جانب الإصابة بسرطان الدم واللوكيميا.. وقد كانت اليابان على وشك إعلان الاستسلام قبل إلقاء القنبلتين. فالاجتياح السوفييتي لمنشوريا الذي جندت له موسكو مليوناً ونصف مليون عسكري، كان كافياً لحمل اليابان على الاستسلام. وبالفعل فقبل نصف ساعة فقط من إسقاط القنبلة على ناكازاغي اجتمع المجلس العسكري الياباني لإعلان الاستسلام. ولكن الولايات المتحدة كانت تريد استسلاماً كاملاً غير مشروط. وكانت تريد ما هو أبعد من الاستسلام الانتقامي، توجيه رسالة إلى حليفها في الحرب، الاتحاد السوفييتي. فكان استخدام السلاح النووي في اليابان أداة لتعزيز الموقف التفاوضي للرئيس الأميركي ترومان أمام الرئيس السوفييتي ستالين! ومنذ ذلك الوقت تمكنت الولايات المتحدة والاتحاد الروسي من إنشاء ترسانة نووية مع صواريخ عابرة للقارات قادرة على حمل رؤوس نووية. وانضم إلى النادي النووي كل من فرنسا وبريطانيا والصين، ثم إسرائيل والهند وباكستان وكوريا الشمالية. وتقدر الأمم المتحدة حجم الترسانة النووية في العالم اليوم بحوالي 16 ألف رأس نووي تبلغ تكاليف صيانتها مئة مليار دولار سنوياً. ولكن بعد القنبلة التي ألقيت على ناكازاكي لم يعرف العالم سوى الانفجارات النووية التجريبية إما في أعماق المحيطات أو تحت الأرض في الصحارى النائية. وحتى هذه التجارب أوقفت باتفاق دولي (1996). لقد تعرف العالم، وخاصة أصحاب الترسانات النووية من خلال المشاهد المروعة التي التقطت للضحايا في هيروشيما وناكازاكي على الآثار الوحشية والهمجية لهذا السلاح الفتاك، وعلى آثاره المدمرة للحضارة الإنسانية. فكان الامتناع الذاتي عن استخدامه وعن التوقف عن إنتاجه بل وحتى الالتزام بتفكيكه تدريجياً وعلى مراحل بموجب معاهدات دولية ملزمة. ومع ذلك، وبعد 70 عاماً على تلك المأساة التي دفعت اليابان ثمنها حوالي نصف مليون من القتلى والمصابين بالإشعاعات النووية المسرطنة في هيروشيما وناكازاغي.. لا تزال هناك دول تسعى لامتلاك السلاح النووي، مثل إيران.. ولا تزال هناك دول تهدد باستعماله، مثل إسرائيل.