التقى رئيس وزراء الهند «ناريندرا مودي» هذا الأسبوع وكبار قادة الشركات وعدد من البيروقراطيين والمصرفيين لمناقشة الحالة الاقتصادية للبلاد وسبل إحراز تقدم في ظل الاضطراب الذي أصاب الاقتصاد الصيني. وتناولت المناقشات سبل تحسين وتيسير ممارسة الأعمال، وتكلفة العمالة والمشاريع المتوقفة. وبينما حث رئيس الوزراء الشركات على زيادة استثماراتها في الهند، أثار رؤساء الشركات قضايا مختلفة من بينها مطالب بخفض أسعار الفائدة. وقد شعرت الهند، مثل كثير من دول العالم، بالقلق إزاء الاضطرابات في الاقتصاد الصيني، حيث أحدث انهيار البورصة علاوة على أكبر خفض في قيمة العملة (اليوان) تأثيرا في كل أنحاء العالم. وفي حين يرى كثيرون أن الهند بإمكانها تحمل العاصفة أفضل من أي دول ناشئة أخرى، إلا أنه لا يزال من المتوقع أن يكون لهذه الاضطرابات تأثير. وقد تباطأ معدل النمو بالفعل في الفترة من أبريل إلى يونيو إلى أقل من 7% مقارنة بـ 7.5% في الربع الذي يسبقه. ومن المتوقع أن يتأثر النمو الاقتصادي بصورة أكبر بسبب سوء الرياح الموسمية التي تؤدي إلى الجفاف في عدة مناطق في البلاد، ما يتسبب في رفع أسعار العديد من السلع الأساسية. ومن المنتظر أن تضرب الرياح الموسمية الاقتصاد الريفي والإنتاج الغذائي. ويتمثل الخطر في أن الحكومة ستجد صعوبة في السيطرة على معدلات التضخم بصرف النظر عن انخفاض القوة الشرائية التي سيكون لها تأثير كبير على الاستهلاك، ما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد. وجاءت هذه التطورات في الصين في ظل مناخ من عدم اليقين الاقتصادي، يضاف إلى ذلك عدم قدرة الحكومة على المضي قدماً في الإصلاحات الاقتصادية. وقد تولى «مودي» السلطة في شهر مايو من العام الماضي على وعد بدفع النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل وتحسين وتيسير مناخ تسيير الأعمال. ولكن الآن، وبعد مرور عام، يجد أنه من الصعوبة المضي قدماً في الإصلاحات. وبينما اتخذت الحكومة العديد من الخطوات الصغيرة، وجدت الكثير من الإصلاحات المكلفة عالقة في البرلمان. فالحزب لديه أغلبية في مجلس النواب بالبرلمان، ولكن ليس في مجلس الشيوخ، ما يؤدي إلى تعطيل تشريعات كبيرة مثل مشروع قانون الاستحواذ على الأراضي والضريبة المفروضة على السلع والخدمات. ومن الواضح أن الحكومة لن تتمكن من الوفاء بالموعد الذي قطعته على نفسها لبدء تنفيذ ضريبة السلع والخدمات في شهر أبريل، 2016، وهو قانون من شأنه تبسيط النظام الضريبي المعقد. ويعد تنفيذ الإصلاح الضريبي في موعده مهما لإثبات أن أجندة الإصلاحات في الهند تمضي على الطريق الصحيح. وبالمثل، بالنسبة للاستحواذ على الأراضي، أجبر «مودي» على التراجع بعد انتقادات المعارضة بمحاباة الشركات الغنية على حساب المزارعين الفقراء. وقد أدت الإصلاحات المعقدة لإجراءات حيازة الأراضي إلى توقف العديد من المشروعات. ولم تحرز الإصلاحات العمالية، أي تقدم حتى مع قيام الولايات التي يحكمها حزب «بهاراتيا جاناتا»، الذي يتزعمه «مودي»، مثل ولاية «راجاستان» و «مادهيا براديش» بتغيير القوانين لتسهيل تعيين وفصل العمال. وبدلًا من ذلك، تتصدى حكومة «مودي» لاتهامات بأنها تساعد وتدعم بصورة عمياء الشركات الكبرى على حساب الفقراء. وبدأت خيبة الأمل تظهر مع فشل الحكومة في المضي قدماً بكل قوتها لتنفيذ الإصلاحات ودفع النمو الاقتصادي للهند. واعتقد كثيرون أن «مودي» يدير حكومة أغلبية بعد سنوات من حكم ائتلاف في الوسط، لذا سيتحرك سريعاً لخلق مناخ ملائم للاستثمار الأجنبي في البلاد. ولكنه حتى الآن غير قادر على القيام بذلك بالرغم من عشرات الزيارات التي قام بها خارج الهند لجذب رجال الأعمال الأثرياء من أصل هندي الذين يقيمون بالخارج. ومع ذلك، فالاقتصاد الهندي لم يفقد كل شيء. فقد استطاعت الحكومة إحداث بعض التغييرات مثل إزالة القيود المفروضة على أسعار البنزين وجمع الأموال من خلال إجراء مزادات ناجحة في قطاعي الاتصالات والتعدين. وأطلق «مودي» أيضاً برنامج «اصنع في الهند» بهدف دفع عجلة التصنيع. ويعد البرنامج، الذي لم يظهر نجاحه بعد، واحداً من المجالات التي تركز عليها الحكومة. الهند لا تزال سوقاً متنامية، ولديها القدرة على تحقيق معدل نمو يتراوح بين 7 و 8 % سنوياً لفترة ثابتة، علاوة على أن سكانها معظمهم من الشباب، بعكس الصين التي أصابت الشيخوخة معظم سكانها. والتحدي الآن يتمثل في تقديم المهارات والتدريب لأولئك الذين يدخلون سوق العمل للاستفادة من هذه الميزة الديموغرافية. رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي