حين سئل رئيس الحكومة الكندية الجديد «جستن ترودو» عن معنى وجود 15 امرأة في الحكومة مقابل 15 رجلاً، أجاب: حسناً، لأننا في عام 2015. بعد أن ولّت حكومة سلفه هاربر اليمنية الأدبار، برز نجم غير عادي من الحزب الليبرالي، هو ابن ترودو السابق الذي قدم كندا للعالم بوجه سلامي، وأنهى حياته بخشوع طالباً من المشيعين أن تكون جنازته بسيطة. ويقال إن نيكسون كان في زيارة لترودو الأب فلفتت نظره نباهة الغلام «جستن»، فقال: أتوقع له مستقبلاً مميزاً، وهو ما كان مع انتخابات 2015. ينقل عن الأب ترودو زيارته للسعودية وظهوره بشكل عفوي في خيمة مع السعوديين من دون رسميات. أما الابن فأذهل الناس برقصه مع الهنود في فيديو مسجل، وتناوله طعام الإفطار مع المسلمين، وعنايته بالسكان الأصليين، وظهوره مع المسلمات المحجبات، ولبسه اللباس الباكستاني مع مسبحة في العنق. ذلك يدل على فهم سيكولوجية الشعب الكندي ومم يتألف. إنه يذكرني بكتاب سيكولوجية الشعوب لجوستاف لوبون الذي وصف نابليون وهو يتحدث في مجلس النواب بأنه أخضع منطقة الفاندي حين تظاهر بأنه كاثوليكي ورع، وأنه في مصر أعلن بأنه من أولياء الله الأتقياء، وقد فعل الشيء نفسه مع البابوية فرضي عنه الكرادلة، وأردف أنه لو حكم اليهود لبنى لهم هيكل سليمان! هكذا تفهم الشعوب وتساق وليس ما فعله بشار الأسد في سوريا! لكن حين ينزع الله الفهم من القلب فليس لصاحبه من هاد. مؤخراً كنت في السفارة الكندية بالرباط في المغرب، ولاحظت أن أربعين شخصاً كانوا يأخذون ورقة الولوج إلى المواطنة الكندية، والأمر الأول الذي عملوه معهم خمسين دقيقة من فيلم بعنوان «الحياة في كندا». كندا تستقبل سنوياً 300 ألف مهاجر إليها من جنبات الأرض الأربع، فيها كل الأجناس والأعراق والألوان، يرطن الجميع فيها بأكثر من ثمانين لغة ولساناً، لكن اللغة الرسمية مزدوجة من لسان ريتشارد قلب الأسد وفرنسوا. وقد ذُهلت شخصياً من تنوع المطاعم والمآكل والثقافات حين دخلت أرضها ورأيت جمالها. فهي بلاد تسبح في رغد من العيش، خلّفت الحروب وراء ظهرها وقررت السير نحو المستقبل بساقين من العلم والسلم، ففي حكومتها الجديدة وزيران للعلوم ورائد فضاء وزير للمواصلات. تحوي كندا أكثر من ثلث المياه العذبة في العالم بمئات البحيرات، وفيها نهر «سان لوران»، وفيها من احتياطي البترول ما قدر بأكثر من 160 مليار برميل، فهي تجمع النفط والغاز والماء والبشر. «جستن ترودو» الجديد أظهر وجه كندا الإنساني، فأعلن بدء خط جديد بعيد عن التبعية لأميركا وحروبها التي لا تنتهي، فانسحب من التحالف الدولي ضد «داعش»، وعين 15 امرأة في حكومته المؤلفة من ثلاثين عضواً، وهي سابقة من نوعها في تاريخ الحكومات الكندية. وبين النساء للمرة الأولى، سيدة مسلمة أفغانية لمراقبة الديمقراطية، بالإضافة إلى وزيرة عدل من سكان البلاد الأصليين (Native). أما الرجال فكان نصيب وزارة الدفاع والحربية رجل من السيخ بعمامة تغطي رأسه، يؤدي القسم لوظيفته الجديدة أمام الرئيس.