من يتابع مجريات الحوارات السياسية بين الدول الكبرى، وما تقدم من رؤى للحل في سوريا، يدرك أن العالم مشغول بمصير الأسد، وليس بمصير سوريا. وقد بدا أن العقدة الكبرى التي تعطل كل الحلول المقترحة هي مصير رجل واحد، هو أهم عند العالم المتحضر من ثلاثة وعشرين مليون إنسان يترقبون يوماً يتوقف فيه القصف والقتل والتدمير، وتنتهي فيه فواجعهم. وبدلاً من أن يسارع العالم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه نجده يسارع إلى إطالة أمد الحرب ويشارك بالقتل والتدمير متجاهلاً مصير الملايين الذين يبحثون عن منطقة آمنة لا يصل إليها القصف ولا يضطرون فيها إلى تحدي الموت غرقاً في البحار بحثاً عن ملجأ آمن في أوروبا. ومن المفارقات الغريبة أن نجد تنظيم «داعش» يستولي على المزيد من المواقع بعد تدخل روسيا العسكري الذي استهدف المعارضة المعتدلة التي يتفق الحلفاء (النظام والروس وإيران) على ضربها كي لا يبقى في الميدان غير «داعش» والنظام، وعندها يقال للشعب السوري، عليك أن تختار أحدهما، فأنت وحدك صاحب الحق في تقرير مصيرك. وإذا كان ما سيتم إنجازه في مؤتمر فيينا القادم هو ترحيل الحل السياسي لعام أو عامين قادمين تحت ذريعة الإصلاح السياسي المقترح فإن عذابات السوريين ستكون أشد وأصعب من كل ما مر عليهم من فواجع لأن المتمترسين خلف أسلحتهم سيجدون وقتاً أطول لسفك مزيد من الدماء في التصفيات النهائية. وستنشأ معطيات جديدة تطيح بقائمة الإصلاحات وتجعلها من الماضي، بينما يحتاج السوريون إلى حلول إسعافية سريعة يتبناها مجلس الأمن، وتتمثل في تغيير جذري يفرض وقفاً فورياً لإطلاق النار تلتزم به روسيا وكل أطراف الصراع مع إعلان هدنة تتم خلالها الحوارات والتحضيرات للحلول التوافقية، ويتم خلالها إطلاق سراح المعتقلين، وإنهاء حالة الملاحقة والأحكام التعسفية. ولن يكون مقبولاً أن يشارك المعارضون الوطنيون في حوار حول الحل مع روسيا بينما طائراتها تقصف مدنهم وقراهم وتقتل أهلهم المدنيين بذريعة أنها تحارب الإرهاب. ولا يمكن تحقيق مستقبل آمن دون قوة عسكرية وطنية تمتلك الحق في فرض الحلول التوافقية، وهذا ما يدعونا إلى المطالبة بتشكيل مجلس عسكري تؤول إليه الصلاحيات العسكرية، يواكبه الاتفاق على حكومة انتقالية تمتلك صلاحيات الرئاسة، وتتولى الدعوة إلى وضع دستور للبلاد وإلى انتخابات رئاسية وبرلمانية حسب ما يحدد الدستور الجديد. ولقد قيل للسوريين قبل مؤتمر فيينا عليكم أن تتنازلوا عن مطلبكم بإسقاط النظام، فالعالم لا يريد أن يرى سوريا تتعرض لما تعرض له العراق وما تتعرض له ليبيا بعد أن سقط النظام فيهما. وعندها يمكن أن يكون رحيل الأسد ممكناً. وقال بعض السوريين: «حسناً فليبق النظام وحسبنا أن يرحل رأسه»! وقالوا هامسين لمن توجس خيفة من القبول ببقاء النظام بعد رحيل رئيسه «لا ترفضوا ذلك، فالنظام في سوريا هو شخص واحد». وقال الناصحون من المجتمع الدولي «إننا نريد الحفاظ على مؤسسات الدولة»! وأجاب السوريون: «وهل يوجد من هو أشد منا حرصاً على مؤسسات بنيناها نحن؟ فإن كنتم تقصدون الجامعات والمشافي والمدارس ومؤسسات الكهرباء والمياه والسدود والبنى التحتية فنحن نرجوكم السعي إلى الحفاظ على ما تبقى منها فقد بنيناها بجهد السنين، وأما إن كنتم تقصدون الجيش والمؤسسات الأمنية فهذه لابد من إعادة هيكلتها، وقد حولها القائمون عليها إلى مؤسسات تدافع عن أشخاص ولا تدافع عن وطن». والمؤسف أن المؤتمرات الدولية وآخرها مؤتمر فيينا يغيب عنها السوريون الذين باتوا يتوجسون خيفة من نتائجها، ويشعر كثير منهم بالحذر من احتمال أن يكون المعلن غير المخبوء، فعلى رغم تأكيد بيان فيينا (1) على وحدة سوريا، فإن شبح التقسيم يحوم لأن نموذج الحل في البوسنة يسيطر على أذهان بعضهم، وأهمهم الروس الذين يريدون تفرداً في الساحل السوري، وكذلك الإيرانيون الذين يريدون توسيع سيطرتهم على الجنوب اللبناني بضم دمشق والقلمون وحمص والغاب إلى الساحل لتكون لهم دولة كبيرة على شاطئ المتوسط، يتقاسمونها مع روسيا التي قد يقبل العالم حضورها لضمان أمن إسرائيل. ومع قناعتي بأن خرائط التقسيم وهمية، وغير قابلة للتحقق، وهذا لا يغيب عن ذهن المجتمعين في فيينا كما أتوقع، إلا أن هناك من يصرّون على محو سوريا من الخريطة الدولية ويعلنون أنها لن تعود قط كما كانت. والمهم أن السوريين اليوم غير متفائلين بمؤتمر فيينا القادم، ما لم يبادر المجتمعون إلى حلول سريعة ترضي الشعب السوري وتنقذه مما هو أخطر.