الفوز الذي حققته «أونج سان سوكي» في انتخابات ميانمار، يجب أن يوفر جرعة مقوية، مطلوبة بصورة ماسة، للمدافعين عن حرية التعبير في منطقة، عادة ما تُشبّه دولها بجمهوريات الموز في أميركا الوسطى في ثمانينيات القرن الماضي. أما السؤال المتعلق بما إذا كان فوزها- بما يقدر بـ 75 -80 في المئة من مجموع الأصوات- يمكن أن يدفع حزبها «الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية» قدماً أم لا، فهو شيء آخر. وعلى رغم التصفيق، فإن هذه الانتخابات لم تكن نزيهة، حيث تمكن العسكريون من الحصول على 25 في المئة من مقاعد البرلمان، وتأمين الحماية الدستورية للجنرالات السابقين الفاسدين، ونخبة المحاسيب. ونجاح ميانمار سيتوقف عما إذا كان الجنرالات مستعدين للانحناء أمام إدارة مدنية أم لا، وإن كان استقراء التاريخ يوحي لنا أن الإجابة بالنفي. أما داخل «رابطة دول جنوب شرق آسيا» المعروفة اختصاراً بـ «الآسيان»- ومع تدشين «مجتمع الآسيان الاقتصادي» (AEC) خلال أقل من شهرين- فإن انتخابات ميانمار كانت بمثابة نفحة هواء نقية، في منطقة تصطرع عادة مع المسائل المتعلقة بحرية التعبير والديمقراطية. يقول «مايكل فاتيكيوتيس» المدير الإقليمي لآسيا في «مركز الحوار الإنساني» وهو عبارة عن منظمة لحل الصراعات «بالنسبة لبقية دول الآسيان تعتبر هذه الانتخابات بمثابة تعزيز للديمقراطية». «ففي دول مثل كمبوديا وماليزيا على سبيل المثال، نجد أن المعارضة تكافح جاهدة من أجل التأثير على القوى القابضة على السلطة منذ أمد طويل، حتى عندما تبلي بلاءً حسناً في الانتخابات». وأضاف: «وفي تايلاند عمل العسكريون على تجميد السياسات الديمقراطية». «ولذلك، عندما تفوز المعارضة في الانتخابات، كما حدث في ميانمار، وتبدي المؤسسة العسكرية استعداداً للقبول بعملية نقل للسلطة، فإن هذا يرسل رسالة قوية للدول المجاورة». يقول «فاتيكيوتيس» إن السياق السياسي في تايلاند قد تغير فجأة، وأنه يبدو الآن أقل تقدماً بكثير من نظيره في ميانمار، وخصوصاً بعد لجوء المجلس العسكري الحاكم إلى تقييد حرية الصحافة، وإحكام قبضته عليها منذ أن أطاح الحكومة المنتخبة في مايو من العام الماضي. وأضاف أنه لن يستغرب إذا ما رأى نشطاء المجتمع المدني التايلاندي وهم يقضون وقتاً أطول على الجانب الميانماري من الحدود المشتركة مع بلادهم للضغط على المجلس العسكري التايلاندي لتسريع عملية العودة إلى السياسات التعددية حتى لا يتحملوا عار التأخر عن جارهم الغربي- ميانمار. وفي الفلبين، مازالت السلطات تعمل جاهدة على محاكمة المليشيات المسؤولة عن أسوأ مذبحة للصحفيين في «ماجوينداناو» منذ ستة أعوام. أما ماليزيا، ورئيس وزرائها «نجيب رزاق» المحاصر بسلسلة من المشاكل، فهي لا تختلف كثيرا، خصوصاً بعد إقدام السلطات هناك على تجريم التعبير السلمي عن الرأي من أجل إخراس المنتقدين. في إندونيسيا المجاورة أُلغيت فعالية مهرجان «أوبود» للكتاب والقراء الذي يحتفل بذكري المذبحة التي أدت لمصرع 500 ألف شخص خلال الحملة على الشيوعية عام 1965، وهو ما يلقي بظلال من الشك حول مصداقية المهرجان، ونزاهة الحكومة التي جاءت إلى السلطة بوعود للتغيير. لم يكن أي من مثل تلك القضايا ظاهراً في المهرجان المقام في شقيقتها المجاورة- ميانمار- وهو مهرجان «كامبوت» للكتاب والقراء، الذي أطلق للمرة الأولى الأسبوع الماضي في ميانمار. وعلى رغم أن ميانمار تصنف عادة كـ «شرير إقليمي» من قبل المدافعين عن حرية التعبير الذين يعيشون هنا، إلا أن وسائل الإعلام فيها تعتبر، مع ذلك، أكثر وسائل الإعلام حرية في المنطقة. داخل كتلة الآسيان التي تضم عشر دول، تظل الانتخابات شيئاً بغيضاً للقوى المتشبثة بالسلطة في بروناي، وفيتنام، ولاوس وتايلاند، وخلاصة القول، ليست هناك دولة في جنوب شرق آسيا يمكن اعتبارها نموذجاً يحتذى للديمقراطية التعددية، وهي حقيقة تبعث على الحنق، خصوصاً إذا ما أخذنا في اعتبارنا الإمكانيات التي ينطوي عليها «المجتمع الاقتصادي للآسيان» الذي لو قيس كدولة واحدة، فسوف يأتي في المركز السابع على مستوى العالم، من حيث معدل الناتج القومي الإجمالي. مع ذلك، يتعين القول إن انتخابات ميانمار، تستحق الاحتفال. فنسبة السكان المشاركين في التصويت، والتي وصلت إلى 80 في المئة تعد مرتفعة للغاية، وتثبت أن جموع الشعب التي خرجت بالملايين، تؤمن بحقها في حرية التعبير، وبأن يكون لها كلمة في تحديد من يحكمها حتى وإن كان قادتها يخفقون في غالبية الأحيان في الارتفاع لمستوى طموحها. ـ ـ ـ ــ ــ لوك هانت كاتب متخصص في الشؤون الآسيوية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تربيون نيوز سيرفس»