سيتم منع التجمعات والتظاهرات لمدة أسبوع في عموم البلاد، وتجري تعبئة قوات الجيش والأجهزة الأمنية والطوارئ، كما سيقع تشديد الرقابة وتعزيز الأمن على الحدود وفي الموانئ والمطارات.. ذلك ما أعلنه وزير الداخلية الفرنسي برنارد كازينوف صبيحة السبت الماضي، عقب ساعات من الهجمات الإرهابية الدامية التي شهدتها باريس ليل الجمعة، والتي أسفرت عن مقتل نحو 130 شخصاً وإصابة أكثر من 300 آخرين. وكازينوف الذي يشغل هذا المنصب منذ حوالي عام ونصف العام، هو سياسي فرنسي وعضو بـ «الحزب الاشتراكي» الحاكم، سبق أن كان عمدة، ودخل البرلمان، ثم عمل وزيراً للميزانية، قبل أن يتولى وزارة الداخلية، حيث عمل من أجل تشديد القوانين لمكافحة الهجرة ومحاربة الإرهاب. وينحدر برنارد كازينوف، المولود عام 1963 في «سينليس» بمقاطعة «واز» الواقعة في ولاية بيكاردي (الشمال الفرنسي)، من عائلة تنتمي لليسار، فوالده كان مسؤول «الحزب الاشتراكي» في «واز»، أما هو فانضم لليسار المتطرف مبكراً، وأثناء دراسته في معهد الدراسات السياسية في بوردو، ترأس الفرع الطلابي لليسار الماركسي، لكنه انضم للحزب الاشتراكي بعد تخرجه في الجامعة. وقد بدأ كازينوف مشواره المهني كمستشار قانوني في «البنك الشعبي»، ثم أصبح مستشاراً فنياً لشركة «تيري بوس»، قبل أن ينضم إلى ديوان وزير الدولة للعلاقات الثقافية الدولية في عام 1991، ثم ديوان وزير الدولة للشؤون الخارجية في العام التالي. وفي عام 1994 دفع به «الحزب الاشتراكي» إلى بلدية أوكتيفيل بغية إنهاء الانقسامات المحلية التي أسفرت عن خسارة الحزب منصب العمدة في انتخابات 1989، فانتخب مستشاراً عاماً للبلدية في عام 1995، وفي العام التالي استطاع استعادة منصب العمدة من اليمين، مما مهد أمامه الطريق للترشح في الانتخابات التشريعية عام 1997 حيث أصبح نائباً عن الدائرة الخامسة في إقليم المانش بمنطقة النورماندي. لكنه فقد مقعده البرلماني في الانتخابات التالية (2002) لصالح مرشح اليمين جان بيير غودفروا. وبعدئذ استأنف مساره في المجال القانوني، حيث سجل نفسه محامياً في مكتب «شيربورج أوكتيفيل» عام 2003. بيد أن كازينوف استعاد مقعده البرلماني في انتخابات عام 2007 بنسبة 58.96? من الأصوات، كما فاز في العام التالي خلال الانتخابات المحلية ليصبح عمدة لبلدية «شيربورج». وفي الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي)، ترأس كازينوف سكرتارية لجنة الدفاع، وتولى ملف ضحايا «هجوم كراتشي» ضد موظفي شركة (DCNS) الفرنسية لصناعة السفن الحربية (11 فرنسياً قتلوا في الهجوم الإرهابي عام 2002)، والذي انتقد الاشتراكيون تعتيم حكومة يمين الوسط بشأنه. وفي أفق الانتخابات الرئاسية لعام 2012 تم تعيين كازينوف ضمن أربعة متحدثين باسم فرانسوا أولاند، مرشح الحزب لمنصب رئيس الجمهورية، حيث تركزت الأحاديث الإعلامية لكازينوف على ملف التعامل مع القضايا الصناعية والنووية. وبعد فوز أولاند بالرئاسة في مايو 2012، أصبح كازينوف وزير دولة مكلفا بالشؤون الأوروبية لدى وزير الخارجية لوران فابيوس. وخلال الانتخابات البرلمانية في الشهر التالي، استطاع كازينوف الاحتفاظ بمقعده النيابي، إذ تمت إعادة انتخابه في الجولة الأولى بنسبة 55.39? من الأصوات. وعقب استقالة وزير الميزانية جيروم كاهوزاك (بسبب فضيحة التهرب الضريبي) حل محله كازينوف في مارس 2013، وأعلن يومها عن سياسة لخفض العجز العام من خلال توفير خمسة مليارات أورو لميزانية الدولة عام 2014. وفي أكتوبر 2013، تدخل شخصياً لإيقاف تعديل قانوني يوسع نطاق الضريبة على المعاملات المالية، وكان التعديل أحد وعود الحملة الانتخابية لأولاند. وبعد استقالة حكومة جان مارك أيرولت وتعيين وزير الداخلية فيها، مانويل فالس، رئيساً للحكومة الجديدة، حل محله كازينوف على رأس الداخلية في أبريل 2014، وبعد ثمانية أشهر واجه الأزمة المرتبطة بالهجمات الجهادية في «إيل دو فرانس»، وعلى خلفيتها طالب بتعديل على مشروع قانون مكافحة الإرهاب، يسمح لأجهزة الأمن الفرنسية باستعمال وسائل تكنولوجية متطورة لرصد المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والإلكترونية للمشتبه فيهم ولعائلاتهم ومعارفهم، دون الحاجة إلى إذن قضائي. كما يتيح القانون الجديد إمكانية إجبار شركات مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث على الكشف عن معطيات الزبائن ومعلوماتهم الشخصية. وهي تعديلات أثارت جدلاً واسعاً في أوساط الجمعيات المدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان، مما اضطر كازينوف لطمأنتها، نافياً أي تأثير للقانون الجديد على الحريات الفردية. ثم اقترح، في يوليو 2015، إصلاحاً لقانون الأجانب، يضع مزيداً من القيود على الهجرة إلى فرنسا والإقامة فيها، مما اعتبره بعضهم «رسالة سلبية عن الانفتاح والتسامح الفرنسيين»، وإجراءً غير مسبوق في تاريخ اليسار في السلطة. لكن سلسلة الهجمات التي شهدتها باريس مساء الجمعة الماضي، هي أيضاً غير مسبوقة في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل، مما جعل البعض يعتبرها «النسخة الفرنسية من 11 سبتمبر»، ويعتبر أن فرنسا بعد 13 نوفمبر لن تكون مثل فرنسا قبل ذلك اليوم. وكما تركزت الأنظار على رئيس الجمهورية، أولاند، الذي أعلن حالة الطوارئ، فقد تركزت أيضاً على وزير داخليته وهو يتحدث عن الإجراءات المنفذة لحالة الطوارئ، بما في ذلك منع المظاهرات والتجمعات وتشديد الرقابة على الحدود والمطارات والموانئ وتعليق الدخول بتأشيرة «شينجن» إلى فرنسا.. وغيرها من الإجراءات التأمينية والاحترازية المتوقعة في ظل أزمة طارئة كهذه. ومن دون شك فإن الأزمة تضع فرنسا كلها أمام اختبار عصيب، لكنها تضع وزير داخليتها على وجه الخصوص أمام اختبار يفوق كثيراً في صعوبته ذلك الذي مثلته تفجيرات يناير الماضي واستطاع تجاوزه إلى حد كبير. وإذ يذكِّرنا المسار السياسي لكازينوف، بمثيله لدى العديد من الشخصيات الفرنسية المعاصرة الوازنة، من عمدة إلى نائب، فوزير للمالية، فالداخلية، فرئيس للوزراء، وربما في الأخير رئيساً للجمهورية.. فإن التساؤل هو ما إذا كانت تفجيرات 13 نوفمبر ستفتح الطريق أمام كازينوف لإكمال مساره، أم تسده نهائياً وبشكل كامل؟! محمد ولد المنى