بعد أسبوع من حفلة القتل في باريس (13 نوفمبر 2015) انتشر السم في شرايين البشرية إلى أفريقيا، فركب مسلحون سيارة دبلوماسية ودخلوا فندق راديسون في عاصمة مالي (بامكو)، حيث ينزل علية القوم، ومع ساعات السحر استيقظ النزلاء على قعقعة السلاح، ليقعوا رهائن في أيدي شباب لا يعرفون إلاً ولا ذمةً، وهم نحو مائة نزيل من جنسيات شتى. لا أدري وأنا أسمع الخبر ما الذي ذكرني بالبعوض الذي أرعبني في الفيلا التي سكنتها في الرياض ذات يوم. لقد عممت لواقطهم بالأنوار القاتلة، وحجزهم بالستائر المانعة، مع استخدام نامسية كبيرة.. لكن من دون فائدة! كان البعوض يدخل حتى تحت المظلة الناموسية، فيلدغ وأنا أهرش جلدي وأستيقظ وأنا أقول: حي على الفلاح، فنحن أمام انتحاري قاتل أو مقتول، فبعوضة واحدة كافية أن تحرمك من النوم، وشاب مجنون مصمم على الموت ومسلح ببندقية، قادر على تكدير الأمن والسكينة في بلد وربما في قارة! وإرهابيان اثنان فقط كافيان لتسميم مياه باريس، بل يمكنهما اختراق مجمع KY 12 في «أواك ريدج»، حيث تخزن أميركا 400 طن من البلوتونيوم، كافية لإنتاج عشرة آلاف قنبلة ذرية، وهذه كافية لإفناء العالم. لقد قام ثلاثة قسس أميركيين باختراق المبنى، ولم يكونوا من مجانين «داعش»، فماذا يمكن أن نتوقع لو كانوا من انتحاريي باريس أوبرج البراجنة؟ هذا البعوض من الإرهابيين فظيع. بوتين وأولاند وأوباما.. الكل يحك رأسه ولا يعرف النوم؛ فماذا عساه يفعل ضد هؤلاء القتلة من البعوض الإرهابي؟ سر البعوض هو البيئة التي تسمح بنموه. لقد كان البعوض العائق في شق قناة باناما، وهزيمة (فرديناند دليسيبس) الفرنساوي بطل شق قناة مصر، فوقع في مصيدة البعوض، وهلك من العمال عشرات الآلاف بالحمى الصفراء والفشل الكبدي، وتوقف العمل وفشل المشروع وأفلس فرديناند وساءت سمعته، إلى أن فك السحرَ حاكم كوبا الأميركي، الذي اكتشف أن السبب يعود للماء الراكد حيث يفقس البعوض ويبيض. فكسر الجرار وردم الآبار والترع، وعاقب كل من يخالف ذلك، ثم نقل تجربته إلى باناما، ونجحت الفكرة واستطاعت أميركا أخيراً شق القناة وأخذت عقد استخدامها لمدة 99 عاماً، حتى استردها أهلوها منذ فترة قريبة. بعوض الطبيعة والبعوض الإرهابي متشابهان، وكلاهما يتوقفان على البيئة الجاذبة أو الطاردة. اثنان من رجال الأمن السعودي يتعرضان للاغتيال في القطيف، بعد أحداث باريس التي قتل فيها 129 إنساناً، ومن قبل سقوط الطائرة الروسية التي أخذت إلى المقابر 224 روسياً بتفجرها فوق سيناء، وبينهما 43 من قادة «حزب الله» في تفجير الضاحية الجنوبية لبيروت. لقد صدقت وزيرة الخارجية السويدية وهي تعقب على مسلسل القتل هذا، حيث قالت إن بؤرة الصراع وعامل تطوير أساليبه إنما يقع في فلسطين حيث تدور المعركة بين سرطان الصهيونية ومقاومة الجسم العربي. إنه الصراع الذي نقل الحمى إلى كل الجسد الإنساني، فهو ينزف في باريس، ويتشنج في بيروت، ويسقط في سيناء، ويرجف في بامكو؟ نعم كما قالت الوزيرة السويدية بالضبط، والتي لاموها لأنها صدعت بالحقيقة، من هناك سطعت فكرة خطف الطائرات (أوغاندا)، واحتجاز الرهائن وبناء سور شارون الجديد، وعمليات الانتحار والسيارات المخففة، والآن عمليات الطعن والدهس والدهشة! إنها أساليب المحبط اليائس، كما جاء عنوان كتاب سيمور هيرش (خيار شمشون)؛ الموت على نفسي والأعداء!