تحتفل دولة الإمارات هذه الأيام بمرور أربعة وأربعين عاماً على تأسيسها، وهي تمر بتجربة تنموية فريدة ورائدة جعلتها مثالاً يحتذى به على مستوى العالم بسبب ما حققته من نجاحات باهرة ويعود سر هذا النجاح إلى أن الإمارات أخذت موضوع التنمية بجدية واستغلت مواردها وسخرتها لخدمة التنمية، وسلكت طريق التنمية الشاملة المستدامة، بمعنى أنها جعلت من موضوعها أمراً شاملاً رسمت له أهدافاً استراتيجية عليا، وانتهجت تكتيكاً عصرياً متوازناً لتحقيق تلك الأهداف. لذلك فقد جاءت النتائج إيجابية حققت للوطن والإنسان الذي يعيش على أرضه جل ما يصبو إليه في هذه المرحلة التي تعتبر بداية راسخة لتحقيق جوانب مستقبلية عدة يطمح إليها الوطن ومواطنوه على طريق الرفعة والسؤدد والعيش الكريم. ودون شك أن الإمارات أخذت التنمية على أنها لا تعني التنمية الاقتصادية وحدها، ولا أن التنمية الاقتصادية تعني شيئاً واحداً هو استغلال الموارد النفطية مثلاً أو التجارة الخارجية أو التصنيع فحسب، وذلك إدراكاً منها أن للتنمية معنى شاملاً يحتوي على جوانب اقتصادية واجتماعية وثقافية، وحتى سياسية من خلال تجربتها الفريدة على صعيد المجلس الوطني الاتحادي. وهذا يعني أن التنمية بالنسبة للإمارات ليست شأناً اقتصادياً فقط، أو شأناً سياسياً فقط أو شأناً اجتماعياً فقط، أو شأناً ثقافياً فقط، ولكنها مركب من جميع هذه الجوانب إذا أريد لها أن تنجح. وهذا يعني أيضاً أن الإمارات فسرت التنمية العصرية بأنها عملية حضارية شاملة متكاملة الأركان تدخل فيها جميع أوجه أنشطة الدولة والمجتمع بما يوصل في نهاية المطاف إلى سعادة الإنسان ورفاهيته وحفظ كرامته كأنبل مخلوقات الله، الأمر الذي انعكس في بناء الإنسان وتحريره من القيود وتمكينه من شؤون وطنه وتطوير قدراته وإمكانياته الذهنية والبدنية. ويضاف إلى ذلك أن الإمارات تعاملت مع مسألة التنمية على أنها سبر غور إمكانات المجتمع وطاقات أفراده وتنميتها والتعامل معها تعاملاً مثالياً في بناء الطاقة الإنتاجية القادرة للوطن وموانيه تحقق من خلالها الاستمرارية. وفي هذا السياق، لم تغفل الإمارات حقيقة أن التنمية مسألة نسبية في جوهرها، بمعنى أنها دائمة التغيير وتتطلب المواكبة. لذلك فإن أهداف التنمية في الإمارات هي أهداف ديناميكية تتغير وفقاً لما يحتاج إليه مجتمع الإمارات في كل مرحلة يمر بها في مساره السرمدي الطويل نحو الرقي والتقدم وتحقيق الذات وسط متغيرات إقليمية ودولية بالغة التعقيد، خاصة على صعيد الخليج العربي والجزيرة العربية، ووفقاً لما هو ممكن التحقيق ضمن إمكانيات وظروف الدولة والمجتمع. ونظراً لأن الاحتياجات والقدرات تتغير وفقاً للظروف فإن أهداف ومتطلبات التنمية الإماراتية خضعت طوال مسيرتها منذ 2 ديسمبر 1971 لتلك التغيرات وكيفت ذاتها معها بشكل دائم ومستمر. جوانب التنمية تتداخل وتتفاعل مع بعضها بعضاً، ويكمل كل جانب منها الآخر، فقد أدركت الإمارات جيداً بأنه من الصعب تصور نمط من التنمية في جانب دون أن يصاحب ذلك تنمية على الصعد الأخرى، فعدم إحداث تنمية على الصعيد الاقتصادي يعني بالضرورة عدم حدوث تنمية على الصعيد الإداري، وقس على ذلك على صعيد الجوانب الأخرى. إدراك الإمارات بأن التنمية تهدف إلى خير الإنسان وصلاحه جعلها تفهم بأن التنمية الحقيقية ترتكز على الإنسان وجهده، فهو محورها وسببه وهدفها الحقيقي في آن واحد، وهذا جعل الإمارات تركز على أن فكرة التنمية ذاتها تتطلب تغييراً جذرياً في فكر الإنسان وقدراته وسلوكه، وهذا التغيير يعتبر وسيلة إلى غاية هي خدمة الإنسان والارتقاء به.. وللحديث صلة.