مثل كثير غيرها من دول العالم، شهدت الدولة الصهيونية في العام المنصرم 2015 العديد من الأحداث الداخلية والخارجية المرتبط بعضها بالأزمات المتفاقمة على الساحتين الإقليمية والدولية. وبحسب كتّاب ومحللين إسرائيليين كثر، كان العام 2015 سيئاً جداً على الدولة الصهيونية: وبعبارات كاشفة، كتب سيفر بلوتسكر، أحد كبار المعلقين في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، يلخص في مقال بعنوان «2015 عام سيئ لإسرائيل» الوضع بالقول: «تدخل إسرائيل عام 2016 وهي تسحب على ظهرها كيس المشاكل ذاته الذي سحبته مع دخولها عام 2015. لكن الكيس أثقل بكثير، والمشاكل معيقة أكثر. وهاكم قائمة صغيرة: احتدمت المواجهة مع الفلسطينيين. وكادت العلاقات مع قيادتهم تحترق تماماً. التسوية (حتى الجزئية) لا تبدو في الأفق. كفت فكرة التسوية حتى عن أن تشكل تحدياً فكرياً لقيادات (الشعبين). أصبحت عمليات الطعن روتيناً. التطرف الفلسطيني التقى في الزاوية التطرف اليهودي، وكلاهما شرعا برقصة الموت. اقتحمت الشبكات الاجتماعية بوابات جحيم التزمت (العنف، الغباء، الجهل، كراهية الآخر والديماغوجيا المقيتة).. والتتمة ستأتي». ولعل أبرز معالم سوء الحال بالنسبة لإسرائيل: أولاً: انسداد أفق مسار المفاوضات عبر فرض إسرائيل الوقائع على الأرض من استيطان، ومصادرة للأراضي، بالتوازي مع العنف والقمع، ما دفع «السلطة الوطنية الفلسطينية» إلى التفكير بإستراتيجيات بديلة عن إستراتيجية التفاوض، على رأسها عودة الفلسطينيين مجدداً إلى الأمم المتحدة كبديل عن المفاوضات العبثية في إطار معركة سياسية ينقل خلالها ملف قضيته إلى الأمم المتحدة كجزء من مساعي الشعب الفلسطيني لتقرير مصيره، والوصول إلى الحقوق الوطنية. ثانياً: تراجع العلاقات الأميركية الإسرائيلية، ذلك أن الشرخ لم يقتصر على معسكر الديمقراطيين أساساً، إذ شمل أيضاً معسكر الجمهوريين، ممتداً ليصل إلى «الجالية اليهودية» الكبيرة والمؤثرة في الولايات المتحدة. وقد كشفت صحيفة «جيروسلم بوست» النقاب عن خطة «إستراتيجية» يشرف عليها «نفتالي بنيت»، وزير الاقتصاد والقدس والشتات اليهودي، وذلك بالتنسيق مع قادة الجاليات اليهودية في أرجاء العالم، لتحسين صورة الدولة الصهيونية، مع تنامي مظاهر تراخي وتوتر العلاقة بين الدولة الصهيونية وبين الجاليات اليهودية في أرجاء العالم، خاصة إثر الدراسات والاستطلاعات التي أجريت، بطلب من الحكومة الإسرائيلية والمنظمات اليهودية الأميركية، والتي أظهرت أن أعداداً كبيرة من اليهود الأميركيين يتخلون عن الديانة اليهودية. ثالثاً: حركة مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي حول العالم BDS (حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات) التي نجحت في استقطاب آلاف المؤيدين، وأثارت قدراً لا بأس به من الغضب والخوف معاً في إسرائيل عقب تسببها بخسائر سياسية وإعلامية ومعنوية واقتصادية مهمة للدولة الصهيونية. ولمواجهتها، صادقت الحكومة الإسرائيلية على قرار إقامة وزارة جديدة برئاسة وزير الداخلية «غلعاد أردان» تحت اسم وزارة «مواجهة مقاطعة إسرائيل». رابعاً: قرار المفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل، والقاضي بوضع ملصقات تميز المنتجات الوافدة من المستوطنات، والذي أثار غضباً واسعاً في إسرائيل اعتبرته القيادة الإسرائيلية نوعاً من أشكال المقاطعة أو العقوبات. خامساً: إحصاءات إسرائيلية تؤكد تزايد المصابين بالصدمة النفسية والخوف الشديد على خلفية «هبة ترويع الإسرائيليين» والعمليات الفدائية الفلسطينية. وقد أكدت «الرابطة الإسرائيلية لعلاج الصدمات النفسية» أن «ثمة إسرائيليين كثيرين تعرضوا لهذه الصدمات النفسية بسبب معاينتهم المشاهد القاسية للعمليات على شاشات التليفزيون، دون أن يكونوا متواجدين بأنفسهم داخل ساحة العملية نفسها». سادساً: استمرار تراجع عوامل الجذب للمهاجرين اليهود بشكل ملموس باتجاه إسرائيل بسبب انعدام الأمن، ما يشير إلى أن ميزان الهجرة سيكون سلبياً، فقد اعتدنا، كما حدث في الانتفاضتين الأولى والثانية، تراجع أرقام الهجرة اليهودية إلى إسرائيل مع تعاظم أرقام الهجرة المعاكسة. سابعاً: خسرت إسرائيل أمام إيران، بعد أن أدرك الإسرائيليون أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، باتت تضع مصالحها الاقتصادية والسياسية فوق مسألة «أمن إسرائيل المطلق» الذي تروج له الدولة الصهيونية، رغم التزام دائم من الدول الغربية وواشنطن بأمن إسرائيل. في استطلاع أجراه معهد «ميتفيم» الإسرائيلي للسياسة الخارجية، تبين أن الأولويات لدى الإسرائيليين في العام الجديد 2016، هي: «موضوع معالجة التهديدات الأمنية، العلاقات مع الولايات المتحدة، وعملية السلام مع الفلسطينيين، فيما احتل موضوع مواجهة المقاطعة على إسرائيل المكانة الرابعة، أما موضوع العلاقات مع الدول العربية فاحتل المرتبة الخامسة في سلم أولويات (الشعب) الإسرائيلي بما يخص السياسة الخارجية لإسرائيل». أوليس هذا «بصمة» من الجمهور الإسرائيلي على «حبل» هذه الأوضاع السيئة الذي يطوق العنق الإسرائيلي؟ ويبقى السؤال: هل ثمة من يشد ذلك «الحبل»... ليخنق هذه الإسرائيل المتطرفة؟!