لأول مرة، كشف دونالد ترامب المرشح «الجمهوري» في انتخابات الرئاسة أن الجدار الذي اقترح إنشاءه على الحدود مع المكسيك، والذي أصبح عنصراً أساسياً في حملته الانتخابية، سيتكلف 8 مليارات دولار. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا سيكون أكبر مضيعة للمال في التاريخ الحديث، حتى وإن كان مدفوعاً بعملة البيزو المكسيكية. إن «الجدار ربما يتكلف 8 مليارات دولار، ما يعد جزءاً صغيراً من المال الذي نفقده مع المكسيك» كما ذكر ترامب لشبكة «إم إس إن بي سي» يوم الثلاثاء بعد أن ظل لشهور يرفض الإفصاح عن التكلفة التقديرية للجدار المقترح. وأضاف ترامب: «إن هذه عملية حسابية بسيطة للغاية». وأوضح أن الحدود تمتد بطول 2000 ميل، وقال: «إننا لا نحتاج إلى ألفي ميل، بل إلى ألف ميل فقط لأننا لدينا حواجز طبيعية». وبسؤاله عن الوسيلة التي سيمول بها إنشاء الجدار، كرر ترامب ادعاءه بأنه سيجعل المكسيك تفعل ذلك، وبالضغط عليه ليفصح عن كيفية القيام بذلك، رد ببساطة: «قولوا لهم، إنهم سيدفعون التكلفة». وهناك على الأقل خمسة أسباب تجعل جدار «ترامب» الحدودي المقترح، بحسب التعبير المفضل لترامب، أمراً غبياً. أولاً، لا توجد دراسة جدية تبين أن هناك حالياً سيلاً من المهاجرين غير الشرعيين يتدفق على هذا البلد. على العكس، فقد ذكر مركز «بيو» للأبحاث ومركز نيويورك لدراسات الهجرة، استناداً على أرقام التعداد السكاني الأميركي، أن إجمالي عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة قد انخفض من 12 مليوناً في عام 2007 إلى 10.9 مليون مهاجر حالياً. ثانياً، هناك ما يقرب من 40 في المائة من المهاجرين الذين يدخلون إلى الولايات المتحدة بصورة غير شرعية لا يفعلون ذلك عبر الحدود المكسيكية، لكنهم يأتون بالطائرة ويتجاوزون تأشيرات دخولهم، بحسب ما يقول مسؤولون أميركيون. لذا فإن تشييد جدار بطول الحدود لن يوقف هؤلاء الذين يأتون جواً. ثالثاً، من غير المرجح أن يزداد عدد المكسيكيين غير الشرعيين الذين ينتقلون إلى الولايات المتحدة في المستقبل لأسباب ديموغرافية. رابعاً، إن تشييد جدار بطول الحدود سيدفع المهاجرين المحتملين للعبور من خلال مناطق حدودية أكثر بعداً وخطورة، ما يرفع الرسوم التي يتقاضاها مهربو البشر، ويضمن أن أعداداً كبيرة من الناس الذين لا يحملون وثائق سيمكثون في الولايات المتحدة. والكثير من الرجال المكسيكيين الذين يأتون الآن إلى الولايات المتحدة للعمل بشكل موسمي في المزارع، ومن ثم العودة إلى المكسيك في فصل الشتاء سيجدون أن التنقل بين الدولتين أمراً صعباً ومكلفاً للغاية. لذا، فإنهم سيظلون هنا، وهذا - في غياب أعداد هائلة من القادمين الجدد – سيزيد عدد المقيمين في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية. خامساً، إن جدار «ترامب» المقترح، جنباً إلى جنب مع تصريحاته التي تصف معظم المهاجرين المكسيكيين بأنهم لصوص ومغتصبون، وتعهده بإعادة التفاوض بشأن اتفاقية نافتا للتجارة الحرة مع المكسيك ودعواته لترحيل 11 مليون شخص لا يحملون وثائق يكاد يكون من المؤكد أنه سيثير رد فعل قومياً ومناهضاً للولايات المتحدة في المكسيك، وسائر أميركا اللاتينية وأجزاء كبيرة من العالم. يلعب ترامب على جهل الناس وغرائز كراهية الأجانب لتقديم نفسه على أنه المنقذ، ولكن للأسباب المذكورة أعلاه، فإن جداره المقترح بطول الحدود سيكون مضيعة هائلة للمال، ورمزاً على الانعزالية ووصفة لتراجع الولايات المتحدة كقوة عالمية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»