كرة القدم رياضة جماعية تُلعب بين فريقين يتكون كل واحد منهما من أحد عشر لاعباً بكرة مستديرة، في ملعب مستطيل الشكل، مع مرميين في جانبيه. والفريق الذي يركل الكرة داخل مرمى الفريق الآخر يحسب له هدف، والفريق الذي يحرز أهدافاً أكثر خلال وقت المباراة يعد فائزاً. هذا هو التعريف المختصر للعبة كرة القدم، واستناداً إلى هذا التعريف يمكن أن أطرح رأيي، فأقول إنها لعبة غبية لأن عشرين لاعباً يجرون خلف كرة واحدة، (وهو ليس رأيي في هذه اللعبة الرائعة)، بل أياً ما أقوله استناداً إلى ذلك التعريف، فأنا ما زلت في إطار الرأي، ويحق لغيري أن ينتقده ويعترض عليه ويستخف به، لكن لا يحق له أن يصف ما تفوّهت به بالكذب، أو التضليل، أو المغالطة. لكن هل أبقى في دائرة الرأي لو قلت إن كرة القدم لعبة عنيفة لأن اللاعبين يتبادلون اللكمات طوال وقت المباراة؟! وهل يعد رأياً أن أقول إن كرة القدم لعبة مدمرة للعقول لأنها تتسبّب في تدني مستوى الأولاد في المدارس؟! وهل من الرأي قولي إن كرة القدم لعبة شيطانية لأن كل من يتابعها يكون متعصباً لفريقه؟! بطبيعة الحال، ليس هذا رأياً، بل كذب وتضليل ومغالطة. وإذا قلت إن طوكيو مدينة كئيبة، فإن ما قلته عنها سيكون كذباً وتضليلاً لو قلت إنها مدينة تنتشر فيها بيوت الصفيح والحيوانات السائبة وعصابات الشوارع، فطوكيو ليست كذلك، وسيكون ما قلته عنها رأي لو وصفت المدينة كما هي على الحقيقة، ثم أبديت أي رأي فيها. وجميع التيارات الفكرية، والمدارس الفقهية، والفلسفات السياسية، والمذاهب الاجتماعية، لها أصولها، ومبانيها، ومبادئها، ومصادرها الرئيسية، ومراجعها، ورموزها، ومن كل ذلك يمكن تعريفها، وفهمها، وتكوين صورة عنها، وانطلاقاً من ذلك التعريف يمكن إبداء الرأي فيها، وعلى ضوء ذلك التعريف، يمكن التحذير من خطورتها، والإشارة إلى مساوئها. لكنك تجد بعضهم يأتي بتعريف من جيبه لليبرالية مثلاً، بأنها «مذهب يدعو للحرية المطلقة بلا قيود ولا حدود»، ثم يقيم حول تعريفه الخاطئ والمشوّه لليبرالية سياجاً من الأسلاك الشائكة، واللوحات التحذيرية، والحفر العميقة، ويزرع المكان بالألغام، ثم ينشر هذا كله بحجة أنه رأي، وأنه حرٌ في رأيه، ثم يجد من يذبّ عنه وعن «رأيه». وهكذا أيضاً بالنسبة للمبادئ الفلسفية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية، لا يمكن أن أعرّفها بنفسي، ومن رأسي، ومن رسم كلماتها في ذهني، ومن انطباعي الشخصي عنها، ثم أنطلق في التعريض بها والنيل منها، بحجة أنني أمارس حقي في التعبير، إذ شتان بين حرية التعبير، وحرية التضليل. يسيء بعضهم الفهم حين يعتقد أن الرأي مطلق ولا قيد عليه، وأنه يمكن أن أصوّر شيئاً بما ليس فيه، أو اقتطع من تعريفه جزءاً يخلّ بتعريفه الحقيقي، ثم أقيم رأيي في ذلك الشيء بناء على تصوّري الذي في رأسي عنه، أو بالجزء الذي اقتطعته منه، ثم تأخذ هذه «الآراء» طريقها إلى وسائل الإعلام ومنابر الرأي وتصير جزءاً من الفضاء العام، بل يصبح من يدعو إلى عدم نشر تلك الأشياء باعتبارها رأياً، متهماً بأنه إقصائي لا يقبل الرأي الآخر.