اتخذت بعض الدول والأحزاب العربية الإسلامية في أكثر من بلد عربي خطوات في الطريق نحو الدولة المدنية، بإبعاد الدين عن السياسة، حيث طلبت الحكومة المغربية من الأحزاب الدينية الابتعاد عن العمل السياسي، وتركت لها الاختيار بين العمل الدعوي الإرشادي والعمل السياسي. كما أقر مجلس النواب في مملكة البحرين قانوناً يمنع رجال الدين من الدخول في الجمعيات السياسية، وقد جاء هذا القانون لكي يمنع استخدام المنبر الديني من أجل استغلاله من قبل البعض للترويج للأفكار السياسية أو التنظيمات السياسية أو من أجل الوصول إلى منافع شخصية على حساب استقرار البلد ومصالحه. والسؤال هنا هو: لماذا تأخرت بعض الدول والأحزاب السياسية في التحول إلى أحزاب مدنية تعمل في مجال السياسة بعيداً عن الزج بالدين في المعترك العام ولم تتحرك إلا في هذا الوقت تحديداً؟ وما الهدف من اتخاذ خطوات جريئة كهذه قد تبعد الأحزاب المعنية عن قطاعات من مؤيديها ذوي الميول الدينية السياسية؟ هنالك أسباب كثيرة أدت إلى هذا التحول، من أهمها شعور جماعات الإسلام السياسي بأن الجماعات والأحزاب الجهادية الإرهابية ربما بدأت تسحب البساط من تحتها، أي من تحت أقدام الأحزاب الدينية السياسية. فأحزاب الإسلام السياسي التي روجت، وعلى مدى سنوات طويلة، لمفهوم الدولة الدينية وصولاً إلى دولة الخلافة الإسلامية الراشدة.. هذه الأحزاب وجدت نفسها الآن في موقف حرج وعزلة سياسية بعد أن حققت جماعات الإسلام الجهادي المتطرفة انتصارات عسكرية وسياسية في أكثر من بلد عربي، مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان. لذلك ارتأت هذه الأحزاب إبعاد نفسها عن الانغماس في المجال الديني بشكل مباشر والاتجاه للعمل السياسي المدني، وهذا ما يؤكده فشل بعض هذه الأحزاب السياسية الإسلامية في الوصول إلى السلطة خلال الانتخابات الأخيرة التي شاركت فيها. بعض الأنظمة العربية فتحت المجال لحركات الإسلام السياسي كي تنشط في مجال العمل السياسي في بلدانها، وذلك بهدف احتواء هذه الأحزاب وكسب جماهيرها، وكذلك لتقليص دور خصومها من التيارات القومية والليبرالية التي تدعو للدولة المدنية الدستورية التي يحكمها الدستور والقانون في ظل نظام حكم ديموقراطي تعددي، لكن بعض الأنظمة العربية اكتشفت مؤخراً بأن الأحزاب الإسلامية تشكل تهديداً مباشراً لها ولشعوبها التي تنشد الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة. وقد بدأت حملة تسييس الدين الإسلامي في المجال العربي خصوصاً بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان في أواخر سبعينيات القرن الماضي، حيث قامت الولايات المتحدة في عهد الرئيس رونالد ريجان بتشجيع الحكومات العربية على دعم المجاهدين وتحفيز الشباب العربي على الذهاب إلى الجهاد في أفغانستان، وتمت في ذلك الوقت عملية دعم وتسليح ودعاية واسعة لجماعات الإسلام السياسي، وواكب ذلك تديين وأسلمة للأفق الاجتماعي والثقافي العام، وانتشرت ظاهرة الدعاة الجدد الذين يدعون للتطرف والمغالاة في الدين. إن فصل الدين عن السياسة والحكم يمثل ضرورة في عالم اليوم، وهو عملية إن تمت بالفعل فلابد أن تكون لصالح الدين والسياسة على حد سواء.