جاء في تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا «الاسكوا» التابعة للأمم المتحدة (عدد 2014-2015)، أن التعليم لا يفي بمتطلبات التنمية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يتضح أن نسبة الطلاب الملتحقين بالتعليم العالي نسبة منخفضة في هذه الدول. ويشير تقرير «الأسكوا» إلى أن نسبة الطالبات في الهندسة والصناعة والبناء والعلوم والتكنولوجيا مرتفعة نسبياً في المنطقة العربية عموماً. أما فيما يتعلق بالتركيب النوعي لمجتمع المتخصصين، فقد مثلت المتخصصات في العلوم والتعليم 50% في تونس وعُمان، وتجاوزت نسبتهن في البلاد العربية نظيرتها في بعض البلدان المتقدمة كالولايات المتحدة التي سجلت 30?4% فقط، وفرنسا (30?3%) واليابان (14?4%). وحقيقة الأمر أن تلك الأرقام تبدو «غريبة» استناداً إلى واقع مخرجات التعليم في البلاد العربية؛ فنحن نعلم أن نسبة الطالبات في بلدان الخليج تزيد على ضعف نسبة الطلبة، ولربما تصل النسبة إلى 65% لمصلحة الطالبات. وكانت مؤشرات التعليم العالي في دول «التعاون» قد سجلت ارتفاعاً واضحاً خلال عام 2011، حيث تخطّى عددهم المليون ونصف المليون طالب وطالبة، حسب المركز الإحصائي (GCC-STAT)، بزيادة نسبتها 14?44% عن العام الدراسي السابق. وبلغ عدد المبتعثين من دول التعاون للدراسة في الخارج، خلال العام الدراسي 2011 - 2012، نحو 185155 مبتعثاً، وذلك مقارنة بـ137901 مبتعثاً في العام الدراسي السابق، وبزيادة نسبتها 34?27%، واحتلت المملكة العربية السعودية المكانة الأكبر في إجمالي المبتعثين، بنحو 174645 طالباً مبتعثاً. ويمثل شحَّ الميزانيات أحد تحديات التعليم العالي في بعض دول المنطقة، وكذلك عدم مواءمة المناهج لاحتياجات التنمية، وقلة الخبرات الوطنية، خصوصاً مع ظهور اتجاه لإحالة أصحاب المؤهلات العليا إلى التقاعد المبكر. في الغرب، لا يتقاعد الأستاذ حتى ولو بلغ الثمانين، ما دام حاضر الذهن وجيد الصحة، لكنه في بعض البلدان العربية يحال للتقاعد ولم يقترب من الستين بعد! وهناك عوامل أخرى، منها نقص حرية المعرفة وحرية الوصول إلى المعلومات، ناهيك عن ضغط الميزانيات، خاصة بعد انخفاض سعر البترول مؤخراً، وتقلص البعثات التعليمية لبعض الدول.. كل ذلك يؤثر على مخرجات التعليم العالي وجودته. كما أن بعض الدول لا تعترف بالجامعات الأهلية (التجارية الخاصة)، لتواضع مخرجات بعضها، مما يحتّم إعطاء الجامعات الوطنية حرية أكثر في اختيار مناهجها ومجالات بحوثها. وهناك تحدٍ آخر يواجه التعليم العالي في دول التعاون الخليجي، ألا وهو المزاج المجتمعي، أي نظرة الآباء والأبناء إلى الدراسات العليا، في ظل وجود الفرص المتاحة للحصول على وظيفة ملائمة وراتب جيد، في بعض هذه الدول، خاصة أن تكاليف الدراسة العليا باهظة في الخارج، كما أن بعض دول التعاون «تتوجس» من حملة الدكتوراه ولا تمنحهم الفرص الملائمة، وتُفضّل عليهم خريجي الجامعة! وقد لوحظ عدم تقدّم حملة الدكتوراه أو الماجستير في السلّم الوظيفي. وكثيراً ما يتم التندر على حملة الدكتوراه من أنهم أضاعوا أعمارهم في الدراسة ولم يصلوا إلى درجة مدير إدارة، حيث فاتتهم فرص الترقي وهم في الخارج! لذلك أعتقد، ومن مشاهداتي الخاصة، أن الإقبال على الدراسات العليا آخذ في التراجع مقارنة بما كان عليه في بالسبعينيات والثمانينيات، وذلك للأسباب الموضحة أعلاه، مع وجود تفاوت مشروع بين دول التعاون في هذا الموضوع. كما أن الأرقام السابقة تبدو قديمة نوعاً ما، وهذه أيضاً إحدى إشكاليات التعليم العالي، حيث إن الوصول إلى المعلومة أمر صعب في دول المنطقة.