تناقلت وسائل الإعلام الدولية، خلال الأيام القليلة الماضية، خبر شروع مجموعة من العلماء الأميركيين بجامعة كاليفورنيا، في استخدام جسم حيوان الخنزير لزراعة وتنمية بنكرياس مكون من خلايا بشرية مأخوذة من جسد الشخص نفسه، الذي سيتلقى البنكرياس لاحقاً، وهي الفكرة التي إنْ نجحت، فستعتبر اختراقاً غير مسبوق على صعيد الجهود الرامية لحل مشكلة النقص الحاد والمزمن في الأعضاء البشرية القابلة للزراعة، كما أنها ستطرح حلاً جذرياً لمشكلة أخرى، ترتبط حالياً بنقل وزراعة الأعضاء من شخص إلى آخر، وهي ضرورة تعاطي الشخص الذي يتلقى العضو المزروع لأدوية مثبطة لجهاز المناعة، حتى لا يقوم جسمه برفض العضو المنقول إليه، ومهاجمته والقضاء عليه، باعتباره عضواً غريباً عنه. وتبدأ خطوات هذه العملية المعقدة، من خلال تعديل وقص المادة الوراثية في جنين الخنزير في يومه الأول، والتخلص من الجزء الخاص في جيناته المسؤول عن تكوين البنكرياس. بمعنى أن جنين الخنزير لو سمح له بالاستمرار على هذا الشكل، فسيولد من دون بنكرياس، بسبب عدم وجود الجينات المسؤولة عن تكوين البنكرياس لديه. في الخطوة الثانية، يتم حصد خلايا من الشخص المراد نقل وزراعة البنكرياس إليه، ثم تغيير وتعديل هذه الخلايا، حتى تصبح خلايا جذعية، أو خلايا منشأ، وهي النوع الخاص من الخلايا البشرية التي يمكنها لاحقاً تكوين أي نسيج أو عضو في الجسم البشري. في الخطوة الثالثة، تتم زراعة هذه الخلايا الجذعية البشرية في جنين الخنزير الفاقد لجينات تكوين البنكرياس، على أمل أن تقوم الخلايا الجذعية بملء هذا الفراغ، وتكوين بنكرياس داخل جسم الخنزير، مكون من خلايا بشرية، يتم حصده لاحقاً، ونقله وزراعته في جسد الشخص الذي أخذت منه الخلايا الجذعية في الأصل. بمعنى أن جسم جنين الخنزير، سيعمل كحاضنة بيولوجية، تحتضن وتغذي الخلايا الجذعية البشرية، حتى تنمو وتكون بنكرياساً بشرياً كاملاً، يحصد لاحقاً. وكما ذكرنا تتميز هذه الفكرة بميزتين، الأولى هي توفير مصدر لا ينضب من الأعضاء البشرية، ليس فقط البنكرياس، وإنما أيضاً الكبد، والقلب، والكليتين، والرئتين، وبقية الأعضاء البشرية التي يمكن للطب الحديث نقلها وزراعتها. كما أن هذه الأعضاء المحصودة، تتميز بحالة فسيولوجية وظيفية جيدة، كونها لا تزال صغيرة السن، لم تصبها أعراض الشيخوخة والتقدم في السن، مثلها مثل الأعضاء التي نولد بها من أرحام أمهاتنا. الميزة الثانية، تتمثل في كون الأعضاء المحصودة، متطابقة نسيجياً ووراثياً مع بقية خلايا جسم الشخص التي حصدت منه الخلايا الجذعية في الأساس، وهو ما يعفي الشخص المنقول إليه العضو من الحاجة لتعاطي أدوية وعقاقير طبية لتثبيط جهاز المناعة لديه إلى آخر عمره، وهي العقاقير التي تجعل جسمه عرضة للغزو من أنواع الجراثيم المختلفة، التي غالباً ما تكون سبب الوفاة في من نقلت إليهم أعضاء من أشخاص آخرين. ويأمل العلماء أن نجاح هذا الأسلوب، سيمكن من سد الفجوة الهائلة حالياً، بين ما يحتاج إليه مئات الآلاف من المرضى حول العالم من أعضاء بشرية صالحة للزراعة، وما هو متوافر من هذه الأعضاء. فمع نجاح الطب الحديث خلال العقود القليلة الماضية في نقل وزراعة المزيد من الأعضاء البشرية، ومع الزيادة المستمرة في عدد من تفشل أعضائهم الحيوية بسبب الأمراض المزمنة، ونتيجة زيادة مؤمل أو متوسط العمر بوجه عام لأفراد الجنس البشري، ازدادت الهوة والفجوة بين ما هو مطلوب وما هو متاح من أعضاء بشرية صالحة للزراعة. فعلى سبيل المثال، يوجد حالياً في الولايات المتحدة نحو 100 ألف شخص على قوائم الانتظار في انتظار عضو بشري صالح للزراعة، يلقى نحو 6500 منهم حتفهم سنوياً قبل أن يتوافر لهم مثل هذا العضو. وفي بريطانيا أيضاً، يوجد حالياً حالي 7 آلاف شخص على قوائم انتظار زراعة الأعضاء، يلقى المئات منهم حتفهم، قبل أن يتوافر لهم العضو المطلوب. وبشكل موازٍ، أدى هذا النقص الدولي الحاد والمزمن في المتوفر من أعضاء بشرية، إلى ظهور نشاط إجرامي كامل، تسيطر عليه عصابات منظمة، تختص بسرقة الأعضاء البشرية، سواء من المرضى في المستشفيات، أو بعد قتلهم عمداً للشخص قبل حصد أعضائه. وإن كان في الوقت الذي ستمنح فكرة علماء جامعة كاليفورنيا - إن نجحت - حلاً جذرياً لهذه المشكلة، وبقية المشكلات المرتبطة بنقل وزراعة الأعضاء البشرية في شكلها الحالي، إلا أنها تثير في الوقت ذاته العديد من المعضلات الأخلاقية والطبية الأخرى -مثل مدى (إنسانية) جنين الخنزير المحتوي على خلايا بشرية منذ نشأته- وهي المعضلات التي قد نعرض لها هنا لاحقاً.