في هذه المرحلة من حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية لا شيء أهم من الحث على المشاركة في التصويت. والاجتماعات والمؤتمرات والمناظرات وإطلاق الإعلانات السلبية في التلفزيون وحملات التشويه والتشجيع كل هذا يأتي في مرتبة ثانية بفارق كبير. ويمكننا أن نستغني عنه جميعاً. ويوم الثامن من نوفمبر هو اليوم المهم في الروزنامة. وبالإضافة إلى هذا لم يتبق الكثير مما يجب أن نعلمه بشأن المرشحين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطية هيلاري كلينتون، أو على الأقل ليس هناك ما يكفي من المعلومات التي قد تتكشف لتغير آراء الناخبين. لقد أخبرنا المرشحان عن كثير مما نريد معرفته. والمرشح الجمهوري المفترض دونالد ترامب لخوض السباق على منصب الرئيس جلف وسيئ النوايا وسوقي وذاتي وغير أمين ويلجأ إلى تقديم أكباش فداء وإطلاق إهانات عرقية ودينية ليغطي على نقاط ضعفه. وسلوك ترامب السابق لا يمكن تغييره حتى لو أراد، وإن كان لا يريد ذلك أصلاً. ولكن فريق أنصاره يروقهم ما يقول ويفعل. وهذا شأنهم. أما شأن من تبقى فهو منع ترامب من الوصول إلى البيت الأبيض. ومكان القيام بهذا العمل هو حجرة الإدلاء بالأصوات في يوم الانتخابات. ووصول ترامب إلى البيت الأبيض ليس مجرد وجود شخص جلف متمركز حول ذاته في البيت الأبيض، بل يتعلق بكل من يأتي بهم هذا الشخص. فترامب سيأتي بوزير عدل ووزير دفاع ومدير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ووزير خارجية وغيرهم. والمروع في الأمر أن ندرك كيف وصل قطب العقارات وبرامج الواقع هذا قمة الحزب الجمهوري. فترامب لم يضع نفسه في هذه القمة مصادفة، ولكنه حامل مبادئ الحزب المعياري لأن ملايين الناخبين لجأوا إليه. إنهم يريدونه في البيت الأبيض لأنه المطلوب ليحررهم من الضغط الاقتصادي الذي يجدون أنفسهم فيه. وهم يعتقدون أنهم بحاجة إليه ليرد على تهديدات العالم ويتصدى لتحول أميركا إلى اللونين البني والأسود، والتغيير في الأدوار التقليدية للرجل والمرأة. إنهم يعتقدون أنه يستطيع إعادة تنظيم التراتبية الاجتماعية التي تعرف فيها الجماعات مكانتها وخاصة من هم في القمة. و«ترامبهم» هذا سوف «يجعل أميركا عظيمة من جديد»، في زعمهم، أي إنه سيعود بهم إلى وقت لم يكونوا يشعرون فيه بأي استياء، أو أنهم منعزلون عن المجتمع، أو تم التخلي عنهم. إنه سيجعل أميركا مرة أخرى عالمهم الخاص. وهذا ما يجعل يوم الانتخابات حاسماً للغاية. فلدينا رؤيتان متنافستان. رؤية ترامب الضيقة التي تنظر إلى الداخل، ضد رؤية تتعلق بقوة تنوع الدولة وروح الاكتشاف والثقة في المستقبل. إنها رسالة لا تخفى على قوى الظلام التي تريد أن تبقي أوراق الاقتراع بعيداً عن أيدي السود والملونين وكبار السن. ومنذ انتخاب الرئيس باراك أوباما في عام 2008 تصاعدت مساعي كبح الناخبين عن المشاركة في الانتخابات على امتداد البلاد. وهناك جهود شريرة تستهدف وضع عراقيل أمام الأميركيين الأفارقة وكبار السن والطلاب وآخرين لمنعهم من ممارسة حقهم في التصويت. والأمثلة كثيرة في هذا الصدد. ففي تكساس يمكنك أن تصوت الآن بترخيص سلاح مستتر ولكن ليس ببطاقة هوية جامعية صادرة عن الولاية! وولاية نورث كارولينا لم تغير القانون فحسب لتشترط تقديم بطاقة هوية مزودة بصورة للتصويت ولكن أيضاً حظرت على الناخبين التسجيل والتصويت في اليوم نفسه. وبناء على تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» بشأن طعن «الاتحاد القومي لتقدم الملونين» في هذا القانون فإن «أحد المدعين، وهي روزانيل إيتون البالغة من العمر 94، قالت إنها وابنتها تعين عليهما الذهاب عشر مرات إلى إدارة المرور وقطع أكثر من 200 ميل وإنفاق أكثر من 20 ساعة للحصول على واحدة من الاستمارات المطلوبة للتعريف بالناخب، لأن اسمها على وثيقة التعارف وعلى رخصة قيادتها غير متطابق تماماً مع تسجيلها كناخبة». وكذلك ذكرت مجلة «ذي أميركان بروسبيكت» و«مركز برينان للعدل» أن 7 من بين 11 ولاية كانت فيها أعلى مشاركة للأميركيين الأفارقة في عام 2008 أصبح التصويت فيها أصعب. و9 من بين 12 ولاية فيها أكبر نمو في السكان من أصول أميركية لاتينية أضافت قيوداً على عملية التصويت. وفي 9 من 15 ولاية أخرى حظيت بتصنيف خاص في قانون حقوق التصويت بسبب تاريخ التمييز الانتخابي القائم على العرق قد أقرت عراقيل جديدة. لقد كنا في هذه المرحلة من قبل. وبالعودة إلى حقبة إعادة الإعمار لفترة ما بعد الحرب الأهلية، فقد واجهنا مجموعة من البيض في السلطة يعتقدون أنهم يقومون بدور «المخلص» لإنقاذ الجنوب من الحكومة الاتحادية التي تفرض سلطاتها، واستعادة سيادة البيض وإبقاء السيطرة على الناخبين السود من خلال الغش والتخويف الانتخابي وقوانين الاقتراع غير العادلة. وها هم أحفادهم قد عادوا مرة أخرى أيضاً. والوقت لم يداهمنا بعد كي نبدأ في تعزيز معدلات تسجيل الناخبين ونطرق على الأبواب وزيارة مراكز التسوق والتجمعات السكانية والتحدث إلى الأسر والأقارب والأصدقاء والجيران وزملاء العمل عن هذه الانتخابات الرئاسية. إن يوم الانتخابات شديد الأهمية بل هو أهم شيء في العملية برمتها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»