لا جدال في أن الغضب والإحباط يتناميان في أوساط الشباب الفلسطيني مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي متواكباً مع عمليات الاستيطان، وفقدان الأمل بالحل السياسي وعدم إحراز أي تقدم في عملية التسوية، واستمرار الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان الفلسطيني في كل شأن من شؤون حياته الأساسية، بالإضافة إلى الانقسام الفلسطيني الداخلي.. كلها مجتمعة عوامل تساهم في إصرار الشباب الفلسطيني على تنفيذ هجمات تدفع إسرائيل دفعاً إلى «الإيمان» بأن «الهبة الفلسطينية» مستمرة، وإن قلّت العمليات، مع التشديد على النقلة النوعية فيها. وبالفعل، فقد فاجأت عملية تل أبيب الأخيرة، المنسقة على درجة عالية، إسرائيل حيث سارع رئيس حكومتها (بنيامين نتنياهو) ووزير حربه أفيغدور ليبرمان، إلى إعلان مجموعة خطوات عقابية جماعية ضد الفلسطينيين لإرضاء الرأي العام الإسرائيلي، مع نشر كتيبتين إضافيتين في الضفة الغربية، وتجميد العمل بتصاريح دخول 83 ألف فلسطيني بمناسبة شهر رمضان. وبالمقابل، حمّل وزير الحربية الأسبق عمير بيريتس مسؤوليةَ العملية لنتنياهو، معتبراً أنه «بعد عشر سنوات من حكم نتنياهو، انتقلت عمليات الفلسطينيين إلى قلب تل أبيب». لقد بدأت «الهبة الفلسطينية» في الأول من أكتوبر الماضي بعملية طعن فردية قام بها طالب جامعي في قلب القدس المحتلة أسفرت عن مقتل اثنين من المستوطنين، تفجرت بعدها هجمات الطعن في قلب المدن الإسرائيلية، فيما بدا أنه تقليد لعملية الطعن الأولى. واليوم، فإن ما يخيف المجتمع الإسرائيلي هو إمكان تحول عملية تل أبيب المسلحة إلى نموذج يحتذيه الشباب الفلسطيني كما فعلت عملية الطعن الأولى. وفي هذا كتب المحلل السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» (ناحوم برنياع): «إن عملية تل أبيب هي ضربة قاسية، لم يكن من المفترض أن تحصل، لكنها حصلت، لتذكرنا مرة أخرى أن الإشاعات حول انتهاء الانتفاضة الفلسطينية سبقت أوانها، وأن البندقية البدائية حلت مكان السكين، وحل مرتدو البدل الرسمية مكان الشبان وطلاب المدارس. هناك دائماً من يستطيع التسلل وتنفيذ عملية». كما كتب المحلل السياسي في صحيفة «هآرتس» (عاموس هاريئيل): «المنفذان استعملا سلاح (كارلو) غير المطور لتنفيذ العملية، بسبب عدم إمكانية توفير سلاح متطور، بسبب سعره المرتفع في الضفة الغربية. هذه العملية مختلفة عن سابقاتها، إذ عمل المنفذان بتناسق واضح، حيث في البداية اختارا موقعاً داخل المدن الإسرائيلية، الأمر الذي احتاج بالضرورة لشخص ثالث ليوصلهما إليه، بعلمه بمخططهم أو عدمه، وارتدوا ملابس تساعدهم على التواري بين الناس في تلك المنطقة». ورغم تفاوت العمليات في الأشهر التسعة الممتدة من عمر «الهبّة»، يتبين أن جمرها ما زال مشتعلاً تحت الرماد. بل ويستدل من نتائج استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للسياسات واستطلاعات الرأي، نشر قبل يومين من عملية تل أبيب الأخيرة، وجود نسبة عالية «(65%) مؤيدة للعملية التي استهدفت حافلة الركاب في القدس في أبريل الماضي». وقد قال 54% من المشاركين في الاستطلاع بأنهم «يدعمون العودة إلى الكفاح المسلح، في غياب المفاوضات السلمية»، بينما قال 56% إنهم «يؤيدون النضال الشعبي غير العنيف»، فيما يعتقد «58% (68% في غزة و52% في الضفة) أنه إذا تطور الصدام الحالي إلى كفاح مسلح، فإنه سيخدم المصالح القومية بشكل لا توفره المفاوضات». ويؤمن «41% بقدرة المقاومة الشعبية غير المسلحة على خدمة المصالح القومية أكثر من المفاوضات (52% في غزة و35% في الضفة)». أما العقوبات الجماعية التي تتخذها إسرائيل بعد كل عملية، فلن تشكل ضربة للفلسطينيين ولن تمنع العمليات، في ظل تجاهل تام للأسباب الموجبة لاستمرار «الهبّة». وفي هذا السياق، أعلن رئيس بلدية تل أبيب اليساري (رون خولدائي): «إن احتفال الفلسطينيين بالعملية هو نتيجة للاحتلال. نحن الدولة الوحيدة في العالم التي لا تزال محتلة دون تقديم أي حقوق مدنية. والإشكالية هي أنه حين لا توجد عملية إرهابية لا نتحدث، ولا تكون لدينا شجاعة لاتخاذ خطوات للقيام بأي ترتيبات معينة. فنحن، منذ 49 عاماً، نخوض احتلال شاركت أنا أيضاً به». من جهتها، حملت افتتاحية صحيفة «هآرتس» عنوانا صريحا: «تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال هو السبيل الوحيد لمواجهة الإرهاب». وأضافت الافتتاحية: «الخطوات العقابية الجماعية، لا قيمة حقيقية لها. فهي لن تضمن حياة مواطن إسرائيلي واحد، بل ستزيد، مع التهديدات والكلام القاسي الصادر من نتنياهو وليبرمان وغيرهما، من الإحباط والكراهية لدى الذين فرض عليهم العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي، وفي النهاية سيدفع بالمزيد من الشباب نحو (الإرهاب)». وختمت قائلة: «إنه لأمر مدهش كيف لا تستخلص حكومة إسرائيل الدرس وتتجاهل ما كان ينبغي أن يكون واضحاً منذ زمن طويل. فما لم يوجد أفق أمل للشعب الفلسطيني سيستمر الإرهاب، وليس باستطاعة أي خطوات عسكرية إنهاؤه، ولن تستطيع أي تصريحات متبجحة وضع حد له. إن السبيل الوحيد لمواجهة الإرهاب هو من خلال تحرير الشعب الفلسطيني من الاحتلال. وحتى حدوث ذلك، سيواصل هذا الشعب مقاومته بالقوة لهذا الاحتلال مثل أغلبية الشعوب في التاريخ».