ظل مجلس النواب الأميركي الحصن المنيع لـ«المحافظين» في عصر أوباما، ورغم أن الديمقراطيين كانوا يأملون أن تمثل انتخابات عام 2008 عصراً جديداً في السياسة التقدمية، فإن المتكهنين كانوا مخطئين. فمنذ انتخابات التجديد النصفي عام 2010، عكف الجمهوريون في مجلس النواب على عرقلة الرئيس أوباما فيما يتعلق بكافة بنود أجندته التشريعية تقريباً. ومن ثم، حول الجمهوريون «عرقلة الكونجرس» إلى «فن من الفنون». وأثناء رئاسة أوباما، استعاد الجمهوريون السيطرة على مجلس النواب عام 2010، وزادوا حجم أغلبيتهم من 242 إلى 247. وحتى إذا تكبد الجمهوريون خسارة مدوية في 2016 مع تصدر دونالد ترامب للمنافسة أمام هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة، فإن معظم الخبراء يتكهنون باستمرار سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب. وبغض النظر عن ما تكشفه استطلاعات الرأي بشأن أوباما أو الحزب الجمهوري، فإن المشرعين الجمهوريين سيظلون آمنين في مقاعدهم، وطالما استمرت سيطرتهم على المجلس، سيتواصل الاستقطاب داخل الحزب خلال السنوات المقبلة، خصوصاً أنه لن يكون هناك سبب يحمل النواب الجمهوريين على إيجاد حلول وسط مع رئيسة ديمقراطية أو حتى مع الأصوات الأكثر اعتدالاً داخل حزبهم. والسؤال هو: كيف يحتفظ «الجمهوريون المحافظون» بسلطة كبيرة في مجلس النواب، رغم أن الأميركيين أعادوا انتخاب رئيس ليبرالي؟ ويلقي «ديفيد دالي»، في كتابه «القصة الحقيقية وراء الخطة السرية لسرقة الديمقراطية الأميركية»، اللوم في سيطرة الجمهوريين داخل مجلس النوب، على فبركة الانتخابات من خلال تقسيم الدوائر لصالحهم، وهي عملية معقدة يتم من خلالها رسم حدود الدوائر الانتخابية لصالح نواب الأحزاب الموجودين في المجلس. ويتحدى «دالي» الزعم القائل بأن الاستقطاب الحزبي المتزايد هو نتيجة تصنيف الناخبين أنفسهم بصورة طبيعية في ولايات مؤيدة للديمقراطيين وأخرى مؤيدة للجمهوريين، معتبراً أن مجموعة من النشطاء السريين في الحزب الجمهوري هم من يفرزون الناخبين. ويزعم أن الحزب الجمهوري ضخ أموالاً في محاولة غير مسبوقة للسيطرة على مناصب حكام الولايات والمجالس التشريعية فيها عام 2010، ومن ثم إعادة رسم الدوائر في انتخابات الكونجرس بحيث يمكنهم تحويل مجلس النواب الأميركي إلى حصن منيع يصعب على الديمقراطيين اختراقه. وبينما يتم استخدام مصطلح «إعادة توزيع الدوائر الانتخابية لصالح حزب معين» منذ السنوات الأولى لانتشار تكنولوجيا الكمبيوتر، سمحت الأموال الكثيرة للحكام والمشرعين باستخدام هذه العملية بأساليب لم يتخيلها أحد سابقاً، حسبما أفاد «دالي»، الذي أكد أن التكنولوجيا التي تستخدمها شركة «أمازون» لمعرفة ما يشتريه الناس، تسمح للمسؤولين في الحزب بمستوى معرفة مماثل حول الانتخابات. ولعل زعم المؤلف ليس بجاذبية الحديث عن مدى الفساد الذي يسببه المال السياسي أو الإحباط الذي تصيب به القنوات الإخبارية المشاهدين على مدار اليوم، إلا أن نجاح المشرعين والحكام الجمهوريين في إعادة رسم دوائر الكونجرس هو السبب، حسب «دالي»، في أن النواب الجمهوريين عززوا سطوتهم، ولا يساورهم أي قلق من أن تحول أية دورة انتخابية السيطرة إلى الحزب الآخر. والنتيجة هي أن الجمهوريين في مجلس النواب أصبحوا أكثر عمقاً في معارضتهم لأي مبادرة رئاسية، معولين على دوائرهم الانتخابية، ومن ثم لم يعد هناك سوى الشلل السياسي في الكونجرس، وأضحت الصفقات الحزبية مستحيلة، واختفت فرص الحكم الرشيد. والحقيقة، من وجهة نظر المؤلف، هي أن الجمهوريين حققوا نجاحاً كبيراً في إعادة توزيع الدوائر الانتخابية لصالحهم باستخدام المال، بدرجة أوجدت لهم مشكلة غير متوقعة، وهي أن عليهم الآن أن يقلقوا من تحدي «الجمهوريين التابعين لحزب «الشاي» الذين يرغبون في الميل بدرجة أكبر تجاه اليمين. وائل بدران الكتاب: القصة الحقيقية وراء الخطة السرية لسرقة ديمقراطية أميركا المؤلف: ديفيد دالي الناشر: لايفرايت تاريخ النشر: 2016