تشير أدبيات الطب النفسي إلى أن الأشخاص المصابين بتعدد الشخصيات يعانون من مرض نفسي اسمه «اضطراب الهوية الانشقاقي»، وهو يعني أن هذا الإنسان لديه شخصيات منفصلة تتولى السيطرة على سلوكه ووعيه بصورة منتظمة، كما أن اضطراب الشخصية الانفصامية، المعروف سابقاً باسم اضطراب تعدد الشخصية هو اضطراب نفسي من ضمن مجموعة اضطرابات الفصام العقلية، والذي يتميز بظهور المريض بشخصيتين متميزتين ومنفصلتين تماماً. عندما نتفكر في ما سبق، يطرح سؤال نفسه: هل بالإمكان أن نسقط ذلك التحليل للأمراض النفسية- التي يبتلى بها بعض البشر- على حركات الإسلام السياسي، التي باتت تتناقض في طرحها وأدبياتها، كأنها تمثل نموذجاً لمرض نفسي عقلي جديد أصيبت به جل الحركات الإسلامية النشطة في العالم العربي؟ اسمحوا لي أن أسوق لكم نماذج من الانفصام الفكري لدى ما يعرف بحركات الإسلام السياسي، والتي تمثل جماعة «الإخوان المسلمين» هيكلها التنظيري. أول هذه التناقضات أن هذه الجماعات جعلت محور دعوتها إلى الله تعالى يتلخص في تحكيم الشريعة الإسلامية في البلدان التي تحكمها، وقد عابت طوال سجلها التاريخي على حكومات العرب تخليها جزئياً أو كلياً عن أحكام الشريعة، بيد أن هذه الحركة عندما تسلمت السلطة في أكثر من بلد، ضمن ما يُعرف بظاهرة «الربيع العربي»، رأينا تراجعاً صارخاً عن كل الشعارات، التي كانت هذه الحركات ترفعها عندما كانت في شارع المعارضة العربية، فكانت الدعوة إلى دولة مدنية بكل ما تحمله هذه العبارة من إسقاطات تمثل تراجعاً فكرياً عما كان يمثل محور الدعوة الإسلامية لديهم. الشاهد الثاني يتلخص في الفرق بين الشورى والديموقراطية، ففي أدبيات الإسلام السياسي لن تجد قبولاً للديموقراطية، لأنها تمثل حكم الشعب للشعب بالقانون حتى ولو تعارض رأي الأغلبية من مبادئ الشريعة الإسلامية، لكن عندما رأت حركات الإسلام السياسي أن الديموقراطية هي المطية التي تنقلهم من المعتقلات إلى القصور، تم تبنيها والتغني بها والإشادة بمنجزاتها في الحضارة الغربية. الشاهد الثالث على وجود الشخصية الانفصامية في الحركات الإسلامية، يتلخص في تعدد الولاءات والبيعات، فهناك بيعة للمرشد العالمي، وهي تقتضي السمع والطاعة، وبهذه البيعة تلغي جماعات الإسلام السياسي مفهوم الدولة الوطنية التي نعرفها. ففي سبيل تحقيق الأهداف الكبرى للجماعات الإسلامية لا توجد دول قطرية، وهذا الوضع يناقض عقلاً الولاء للحاكم الوطني، فهل المنتمي للحركات الإسلامية سيلبي الدعوة من ولي أمره في وطنه، إنْ تعارض الأمر مع دعوته ومن في رقبته بيعته؟ سؤال يمثل قمة الانفصام والتناقض النفسي الفكري. الشاهد الرابع، يتلخص في مفهوم الخلافة الإسلامية التي تغنت بها الدعوة الإسلامية في عقود حياتها الأخيرة، والتي ربطت بين تدهور المشهد في الدول العربية بسقوط الخلافة الإسلامية عام 1942م، وإن الحل الجذري لعلاج هذا الوضع المزري هو في العودة بالمشهد العربي لخلافة راشدة عادلة تطبق متطلبات الدولة الدينية، بيد أن هذه الكلمات لم تَر النور في الحياة العملية للحركات الإسلامية التي وصلت للحكم، فكانت دعوتها للدولة المدنية تناقض مفهوم الخلافة الإسلامية. الشاهد الأخير في ازدواجية المفاهيم، هو في الخطاب الفكري للشارع العربي، والكلمات العملية التي تستخدمها الجماعات الإسلامية عند حوارها مع الدول الكبرى لن تجد في ذلك الحوار المشهد التصادمي، بل تَر تراجعاً عن كل المفاهيم التي تستخدمها الحركات الإسلامية محلياً مثل دار الإسلام ودار الحرب، ويتم استبدال حكم الأغلبية بالحكم بالشريعة.. لغتان متناقضتان. خلاصة الرأي إن حركات الإسلام السياسي تعاني من تناقضات اسمها «اضطراب الهوية الفكرية»، مما جعل منسوبيها يعيشون صراعاً فكرياً مؤلماً.