مع تزايد الإدراك بأهمية وحجم الدور الذي يلعبه غياب النشاط البدني في الحياة اليومية، كعامل خطر رئيس في الإصابة بالأمراض غير المعدية، مثل أمراض القلب والشرايين، والأمراض السرطانية، والسكري، أصبح هذا الغياب، أو حتى قلة وشُح النشاط البدني، 1 من عشرة عوامل هي الأهم والأخطر خلف الوفيات البشرية حول العالم. ورغم الفوائد الصحية الجمة التي يحملها النشاط البدني في طياته، والمخاطر والتبعات الصحية السلبية التي تنتج عن الكسل وعدم النشاط، تظهر الإحصائيات الدولية أن 80 في المئة من البالغين حول العالم، لا يتمتعون بالقدر الكافي من النشاط البدني، وحتى السياسات الهادفة إلى مواجهة هذه المشكلة، لم تّفعّل إلا في نصف دول العالم، ما حدا بالدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية إلى السعي لزيادة النشاط البدني بين أفراد شعوبهم بنسبة 10 في المئة بحلول عام 2025. وتُعرّف المنظمة الدولية النشاط البدني بأنه أية حركة جسدية تنتج من العضلات الإرادية، وتتطلب استهلاك قدر من الطاقة، بما في ذلك النشاطات التي تمارس أثناء تأدية المهام الوظيفية أو العمل، وأثناء اللعب، والقيام بواجبات المنزل الروتينية، والسفر، وجميع النشاطات الترفيهية الأخرى. ولا يجب هنا الخلط بين النشاط البدني، وبين ممارسة الرياضة، حيث تعتبر الأخيرة نوعا من النشاط البدني المخطط مسبقاً، والمنظم، والمتكرر، بهدف المحافظة على، أو تحسين مكون أو أكثر من مكونات اللياقة البدنية، مع الأخذ في الاعتبار أن النشاط البدني بجميع أنواعه، الخفيف، والوسيط، والمكثف، يجلب لمن يقوم به فوائد صحية جمة. وتختلف التوصيات بحجم ونوعية النشاط البدني المطلوب، وذلك على حسب الفئة العمرية. فبالنسبة لمن هم بين سن الخامسة والسابعة عشرة، فيجب ممارستهم لستين دقيقة من النشاط البدني المتوسط أو الشديد، يومياً، ويمكن لإطالة الفترة لأكثر من ذلك أن تحقق فوائد صحية إضافية، مع ضرورة أن تتضمن هذه النشاطات، أنواعاً وأنماطاً تقوي العظام والعضلات، ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل. أما بالنسبة للفئة العمرية بين الثامنة عشرة والرابعة والستين، فيجب عليهم ممارسة نشاط بدني متوسط الشدة، لمدة ساعتين ونصف أسبوعياً -على الأقل- أو ساعة وربع من النشاط البدني الشديد خلال الأسبوع، أو أن يمزجا بين نوعين من النشاط، المتوسط والشديد، ومراعاة تخصيص وقت كاف لكل منهما. وإذا رغب أفراد هذه الفئة العمرية تحقيق الاستفادة الصحية القصوى، فسيتطلب ذلك منهم الوصول بالنشاط البدني المتوسط الشدة إلى خمس ساعات يومياً، أو ساعتين ونصف الساعة من النشاط البدني الشديد، كما يجب الاهتمام بالنشاطات التي تقوي مجموعات العضلات الرئيسة، وممارستها يومين أو أكثر أسبوعياً. وعلى عكس الثقافة الشائعة أو الاعتقاد العام، لم تستثن التوصيات المتعلقة بحجم ومقدار النشاط البدني الأسبوعي، من تخطوا سن الخامسة والستين، حيث يوصى لهذه الفئة العمرية بساعتين ونصف الساعة من النشاط البدني المتوسط أسبوعياً، أو ساعة وربع من النشاط البدني الشديد، أو المزج بين النوعين. ولتحقيق أقصى قدر من الفائدة الصحية، فيمكن رفع النشاط البدني متوسط الشدة إلى خمس ساعات يومياً، أو ساعتين ونصف الساعة من النشاط الشديد. وبالنسبة لأفراد هذه الطائفة الذين يعانون صعوبة في الحركة والاتزان، فيجب ممارسة نشاطات بدنية تزيد وتحسن من التوازن، وتمنع السقوط. ومثلهم مثل الفئة العمرية السابقة لهم، يجب الاهتمام بالنشاطات التي تقوي مجموعات العضلات الرئيسة، وممارستها يومين أو أكثر أسبوعياً. وتأتي هذه التوصيات في ظل حقيقة أن النشاط البدني اليومي هو جزء لا يتجزأ من الوظائف الفسيولوجية الطبيعية للإنسان، وأن المجهود العضلي من المتطلبات الضرورية للحفاظ على الصحة البدنية والنفسية. فبوجه عام، يعتبر النشاط البدني من المتطلبات الأساسية للحفاظ على اللياقة البدنية في مستوى جيد، كما أنه يساهم بشكل إيجابي في الحفاظ على وزن طبيعي، وتجنب زيادة الوزن، والسمنة المفرطة. كما يساعد النشاط البدني على زيادة كثافة العظام، ووقايتها من الهشاشة على المدى الطويل، ويرفع من قوة العضلات الإرادية، ويحافظ على المرونة الحركية في مفاصل الجسد، كما أنه يقلل من المضاعفات والمخاطر التي تنتج من العمليات الجراحية، ويدعم جميع الوظائف الفسيولوجية في الجسم، بما في ذلك جهاز المناعة. ولا يقتصر تأثير النشاط البدني على الحالة الصحية الجسمانية، بل يمتد أيضاً إلى الحالة النفسية. فعلى حسب بعض الدراسات، تخفض ممارسة النشاط الرياضي في أوقات الفراغ أو كوسيلة ترفيهية، من الشعور بالقلق والتوتر، ومن احتمالات الإصابة بالاكتئاب، ويعتقد العلماء أن هذا التأثير ينتج بسبب إفراز الجسم لمادة كيميائية خاصة، معروفاً عنها تخفيف الآلام البدنية، والحد من أعراض وعلامات الاكتئاب، من خلال رفع الروح المعنوية، وخلق شعور بالغبطة بين من يمارسون النشاط الرياضي.