الكل يعلم بقدرة إيران التي لا مثيل لها على تعطيل الشرق الأوسط وإثارة الفوضى فيه، وذلك من أجل قهر المنطقة والسيطرة عليها كلها. وطهران أيضاً في سباق مع الزمن لتملك أسلحة نووية، ولكن مع كل ذلك لن تستطيع السيطرة لأسباب سياسية واقتصادية وعسكرية عديدة. وكل ما تستطيع فعله وتجيده بدرجة كبيرة هو إثارة التشرذم والفوضى والإرهاب وإشعال الحروب الأهلية وتفكيك وإضعاف مكونات الوحدة الوطنية في بعض الأقطار المسلمة. ويبدو أنها ستستمر في ذلك، وتجبر الدول المجاورة على أخذ قواها العسكرية على محمل الجد، ولن نستغرب إذا قامت بمغامرات عسكرية واستعرضت قوتها العسكرية من أجل توجيه الانتباه بعيداً عن القضايا الحقيقية، وسوف تحاول جر بعض الدول لخندق التحرشات المسلحة وتعبئة الشعب متى ما حصلت إضرابات كبيرة وواجهت صعوبة عظمى في الداخل. واستراتيجيات القوة «الناعمة» الإيرانية تم إعدادها للمدى الطويل وبالكثير من الصبر. ويجب أن يكون لدى دول الخليج العربي حذر من محاولات إيران تطبيع مصالح ضد الداخل الخليجي ومن الداخل الخليجي. ومن الواضح أن من أهم أهداف إيران هو إيجاد حليف لها في المنطقة بأي ثمن، ولن تركز فقط على بناء تحالفات مع الشيعة من أجل ممارسة نفوذها في المنطقة والتدخل في السياسة الداخلية للدول باسم المظلوميات الشيعية والاستمرار في استراتيجية نشر المؤسسات الثقافية والتعليمية والدينية وتعزيز اللغة الفارسية، والاستثمار في وكالات الأنباء العربية والإنجليزية (مثل قناة العالم، وقناة الكوثر وقناة برس باللغة الإنجليزية). وتعد منطقة دول القوقاز مركزاً حيوياً في محاولات إيران لتوسيع عمليات الحرس الثوري وعمومية فكرة مناطق الإسلام التاريخي بعد أن فقدت إيران نصف ما كانت تسيطر عليه من أراضٍ في معاهدات مختلفة منذ القرن الثامن عشر. وتستخدم إيران المدارس والجامعات بشكل فعال لنشر مفاهيمها الثورية في الدول، كما هو الحال في أفغانستان وتأسيس جامعة «خاتم الأنبياء»، حيث يتم تدريب الأساتذة في إيران، وتعيين المسؤولين الإيرانيين، علماً بأن ميزانية الجامعة تعد من أكبر ميزانيات التعليم العالي في أفغانستان برمتها. ومن جهة أخرى لدى إيران فرع لـ«جامعة آزاد الإسلامية» في أرمينيا، ناهيك عن حجم البرامج التي تكون تحت غطاء الجمعيات الخيرية الإيرانية في أذربيجان على وجه التحديد لوجود الأغلبية الشيعية الاثني عشرية هناك، وبالتالي هناك جهود تغلل وتخريب إيرانية كبيرة، لكن يقابلها وعي كبير من الحكومة الأذربيجانية بعيداً عن المذهب وتقويض الأحزاب الإسلامية المدعومة من إيران وإغلاق البرامج الإذاعية التي تبث باللغة الإيرانية، حيث تعد الوسائل الإعلامية المتنوعة والسينما أداة مهمة لنشر الفكر الثوري الإيراني في العالم أجمع. وتستخدم السلطات الإيرانية الجمعيات الخيرية لتوسيع نفوذها، وهي لا تعد ولا تحصى ومثال على ذلك لجنة إغاثة الإمام الخميني (IKRC) بجانب الشركات الإيرانية الحكومية الكبرى، ويتجلى النشاط الإيراني في البوسنة والهرسك كمثال فعال لما تقوم به طهران في كل دولة بها جالية إسلامية، حيث تدير مؤسسات إيرانية مختلفة مشاريع متنوعة هناك، وتعد مؤسسة «ملا صدرا»، وهي منظمة غير حكومية ممولة من قبل إيران من أنشط المؤسسات هناك، حيث هي التي تمول بناء المساجد المحلية والمدارس التعليمية الدينية، علاوة مساعدات اقتصادية لذوي الدخل المنخفض، وكذلك إعطاء المنح الدراسية للطلبة الراغبين في الالتحاق بالتعليم الديني في إيران. وعلى المنوال نفسه ينشط عملاء الحرس الثوري في ألبانيا وجورجيا وأرمينيا، وينطبق الحال على الدول الأفريقية، حيث أصبح التشيع هناك خطراً حقيقياً تحول على أثره الكثير من السُنة للمذهب الشيعي. وأما في دول أميركا الجنوبية تعد إيران رمزاً سياسياً بعيداً عن الدين، فطهران تسعى للدخول في شراكات اقتصادية وسياسية كبرى، تتمثل في التعاون الضخم بين الأرجنتين وإيران اقتصادياً، وما فعلته وتفعله إيران في فنزويلا، حيث باعت لها إيران عام 2007 ما لا يقل عن 10 طائرات من دون طيار، وقامت بتمويل بناء مصنع لتصنيع المتفجرات في فنزويلا، وبناء منشأة تدريب عسكري بهدف توفير بديل لبرامج التعليم العسكري الأميركي، وفي عام 2009 أرسلت إيران من 200-300 من أفراد الحرس الثوري الإيراني كمدربين متخصصين. وبكل صراحة، فإن التوسع الإيراني في كل بقعة من العالم هو توسع استعماري مخطط له بدقة شديدة، مما يجعل القوى الكبرى تضع إيران في كفة والعالم العربي ككل في كفة، وهذه القناعة يمكن الوصول إليها إذا تحدثنا بمنطق سياسي اقتصادي بحت تعنيه الهيمنة والمصالح الوطنية العليا بصورة مجردة من أحلام الواهمين.