يزداد تفشي سرطان المد الفارسي كل يوم ويتخلل مفاصل بلاد الرافدين بعدما أصيبت بالعدوى من بلاء تدخلات طهران التي سعت لتصدير الثورة إليها، بعدما صارت طموحات إيران التوسعية تجاه المنطقة العربية معلنة، وأضحت مجاهرة بأطماعها المكشوفة في جيرانها وفي المنطقة بشكل عام. ومما لاشك فيه أن حرص إيران على الوصول بالعراق إلى حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني من خلال دعمها وتمويلها لمليشيات إرهابية وطائفية ساعية بذلك لتكون حرساً ثورياً ينفذ تطلعات «الولي الفقيه» ويقدس أوامره حتى لو كان مؤداها بعيداً كل البعد عن مصالح الوطن. ويبدو أن تلك التدخلات المزمنة، التي تحولت إلى نوع من الأمر الواقع، قد أثارت شهيتها بعد ذلك لتحويل مليشيات «الحشد الشعبي» الطائفية العراقية إلى حرس ثوري، على غرار الحرس الثوري الإيراني. ولم يكن مستغرباً حرص إيران على زرع مشعل فتيلها ومدبر عملياتها قاسم سليمان قائد ما يسمى «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، ليتغلغل بخططه في مفاصل المجتمع العراقي وقد أصبحت مهامه الآن أكثر وضوحاً، بل مكشوفة جهاراً نهاراً، وخاصة بعد تعيينه مستشاراً لحكومة العراق، ودفعه من وراء هذه المهمة الغريبة لنقل التجربة الفارسية في إخماد الأصوات الداخلية وزعزعة الأوضاع الخارجية وضرب القوانين الدولية والأعراف الأممية عرض الحائط. والظاهر أن همّ الفرس الأول صار إحكام السيطرة الكلية على العراق وضمان عدم انفلات القبضة من بين أيديهم وأيدي وكلائهم وخاصة بعد فشل طهران السياسي الذريع في كل من ملف اليمن، والقضية السورية التي جعلتها تستنزف موارد ولقمة عيش الشعب الإيراني بسبب عنجهية بعض ساسة نظامه وأطماعهم السياسية وعنصريتهم المذهبية. وبلا شك تسعى إيران لعزيز قوة -وربما قسوة- «الحشد الشعبي» في العراق بما يدفع نحو ترسيخه كقوة عسكرية وسياسية معترف بها، وهي تأمل أن تكون هذه المليشيات الطائفية المنفلتة ذراعاً لها في المنطقة العربية. وعلى وجه المقارنة فقط يتذكر العالم كله أن التظاهرات التي سارت في طهران نفسها ضد نظام ولاية الفقيه والرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد قد تم إخمادها وإخفاء معالم سحقها بسبب قسوة الحرس الثوري على الشعب وإحكامه السيطرة عليه، وهذا ما تسعى طهران الآن لتطبيقه في العراق، لضمان بقائها وإحكام سيطرتها واحتلالها للعراق لفترات أطول، ودون المقدرة على حل هذه المليشيات الطائفية التي يأمل الفرس أن تكون موازية للجيش العراقي، بل إن تتفوق عليه وأن تتمتع بقوة «الاستقلالية» في اتخاذ القرارات فضلًا عن لعبها دور وكيل في تهديد دول الجوار مستقبلًا. والسعي المتعمد لإضعاف دور الحكومة العراقية وجيشها في التصدي لهجمات تنظيم «داعش»، وسلب كل أسباب القوة منها والحد من تسليحها في مقابل زيادة تسليح «الحشد الشعبي» ودعمه، يثبت أن إيران ما زالت عاقدة العزم على التدخل بقوة في الشأن العراقي، فضلاً عن رغبتها في فرض مزيد من الاعتماد على مليشيات «الحشد الشعبي» في العمليات العسكرية، في ظل عجز الدولة عن حماية أراضيها التي تسلب منها شيئاً فشيئاً. وتحويل مليشيات «الحشد الشعبي» إلى حرس ثوري، ما هو إلا تأكيد لهيمنة إيران على العراق. والسعي لشرعية تسليح الحشد، يوحي بدور عسكري أكبر يخطط له بما قد يتجاوز حدود العراق، وهو استنتاج يعززه بعض ما قالته وجوه في مليشيات «الحشد الشعبي» نفسها. ما تسعى إليه إيران هو تشكيل أداة قمع للشعب العراقي بكل أطيافه، على أن تكون أيضاً جاهزة للعمل كذراع لولاية الفقيه يبطش بها من جديد ويفتك بها بمن يشاء. وبحسب دراسة لـ«معهد العمل الأميركي»، فإن ما بين 12 إلى 22 مليار دولار ستوجه للأنشطة الإرهابية، التي يدعمها الحرس الثوري الإيراني هذا العام، ويؤكد التقرير أن الحرس الثوري يدعم نشاط المنظمات الإرهابية، مثل الحوثيين في اليمن و«حزب الله» في لبنان. كما ترسل إيران مليارات الدولارات وتقدم المساعدة العسكرية إلى سوريا أيضاً. والمتتبع لعمل الخطط والإجراءات المتعلقة بالمليشيات الطائفية في العراق، المرتبطة بما يسمى «فيلق القدس» الإيراني الذي يقوده الإرهابي قاسم سليماني، سيدرك أن الهدف ليس فقط تشكيل مجرد مليشيا إرهابية، وإنما مؤسسة عسكرية واقتصادية وسياسية طائفية متنمّرة ومستقلة، هدفها بلاشك إضعاف دور الحكومة، والغرض تسليمها زمام السلطة في العراق، كوكيل حصري للتدخلات الإيرانية.