إن إدارة الأزمات لا تعني بالضروة حلها. وهنالك أزمات تبدأ وتبقى مفتوحة، ونهايتها ليست مرغوبة. هذا حال ما يجري في سوريا وربما في غيرها. وحينما تغيب المصادر الخبرية الخاصة، وتصبح الأخبار الراشحة من غبار المعارك، شحيحة، لا يبقى أمام المهتم سوى خيار قراءة الصحف بطريقة «ماوراء السطور» أو الإصغاء إلى نبض الخبر ومصدره. منذ أيام تجري متابعة الصحف الأميركية بشقيها، القريبة من وزارة الخارجية وتلك القريبة من الـ«سي آي إيه»، إضافة إلى بعض الصحف التركية القومية والخاصة، وتصفح بعض المواقع الإخبارية الروسية الرسمية. فمهمٌ معرفة ما يجري حالياً في حلب، وما الذي سيجري بعد الحسم في هذه المدينة السورية؟ لا يعتقد أن أمر حلب يهم المراقبين السياسيين وحدهم، بل يهم الكثير من دول العالم، خصوصاً القوتين الأعظم ومعهما القوى الإقليمية تركيا وإيران ودول الخليج. حلب اليوم منقلبة رأساً على عقب بسبب المعركة التي تجري على أرضها. الجميع يريد حسم معركة حلب لصالحة. من ينجح في حلب ينجح في سواها، ومن يخسر يصيبه من الخيبة الكثير. الأطراف المتحاربة في حلب عديدة، وبعضها اسمه ليس معروفاً في وسائل الإعلام. الوضع في المدينة لن يهدأ وتجب مراقبته كالحليب على النار. يبدو أن قوات النظام السوري ومعه الحليف الروسي ومليشيات إيران، ستسجل نصراً مرحلياً في حلب، على حساب المعارضة السورية المعتدلة وغير المعتدلة، فالحليف التركي مشغول «بتنظيف البيت الداخلي» كما تردد صحافته المحلية. في الوقت نفسه تجري هنالك معركة طاحنة بين طرفين الحزب الكردستاني السوري وتنظيم «داعش». ويبدو أن الحسم فيها سيكون لمصلحة الحزب الكردستاني المدعوم بجنود أميركيين تحت مسمى «مستشارين وخبراء»، وتغاضي النظام كذلك. ما ليس متوقعاً أن الحسم في حلب -فيما إذا كان لقوات النظام وهو احتمال كبير- سيرشح هذه القوات، بعد فترة من الآن، لدخول معركة جديدة تواجه فيها حزب (سوريا الديمقراطي) - الكردي - الذي كان بالأمس صديقاً يناوش تركيا. سبب هذه المعركة التي لم تكن احتمالا ًوارداً في قائمة بعض المراقبين السياسيين، هو أن الاصطفافات والتحالفات الجديدة، التي جاءت بعد حركة الانقلاب الفاشلة في تركيا، عكست نفسها على الحدث السوري «لتجلّسَ» بعض قواعد اللعبة لتخدم فيما تخدم تركيا الجديدة.. كيف ذلك؟ الأخبار الصحفية التي رشحت حتى الآن، تفيد سياقاتها المتعددة أن هنالك اصطفافاً وتحالفاً جديداً سيظهر على الساحة السياسية الدولية، أعضاؤه روسيا وتركيا وإيران، كما أن إسرائيل لن تكون بعيدة عنه. هذا التحالف سيعكس نفسه على ما يجري في سوريا. ستكون تركيا في سوريا لكن تركيا «بقبعتها» الجديدة وقد انتقلت من الجانب الأميركي - الأوروبي إلى الطرف المقابل، المحور الروسي الإيراني الإسرائيلي. وبالتالي ستسنح لها الفرصة على الأرض السورية، مواجهة عدوها اللدود، الحزب الكردستاني بمن معه من الداعمين. سؤال: هل ستكون تركيا بهذا المعنى مناصرة أو داعمة لنظام الأسد؟ نقول إن أية تحالفات أو اصطفافات سياسية، غالباً ما يكون لها مقتضيات وإملاءات على الأعضاء، وما ستقوم به قوات النظام وتركيا من دور في الحدث السوري لن يكون بعيداً عن إطار المقتضيات والإملاءات، بل بالإمكان القول إن الحلم الكردي بدولته المستقلة ذهب أدراج رياح تركيا وإيران. أما السؤال: ما هو نصيب إسرائيل في المحور الرباعي الجديد؟ سيكون اقتصادياً بالدرجة الأولى وله علاقة مباشرة بالتنقيب عن النفط والغاز قبالة السواحل السورية بحماية الأسطول الروسي. وتلك قضية أخرى حديثها لا يخلو من شجون.