في عام 1927، قام الطيار الأميركي «تشارلز ليندبيرج» بأول رحلة طيران منفردة عبر الأطلسي، في طائرة أحادية السطح، ذات محرك واحد، اسمها «روح سانت لويس». وفي ذلك الوقت، اعتُبر ما قام به هذا الطيار إنجازاً رائداً وبطولياً. مع ذلك، لم تكد تمر سوى 20 عاماً، حتى كانت القاذفات النفاثة الكبيرة تدخل الخدمة في الأسلحة الجوية للدول الكبرى، وبعدها بـ12 عاماً بدأ عصر النفاثات الحديثة للطيران التجاري. وهذه السرعة التي شهدها تطور الطيران، والتي يمكن أن يشهدها أي مجال آخر في حقيقة الأمر، ترجع لتوافر الموارد، والإبداع، والنماذج العملية الجيدة، واندماج بعضها مع بعض. وسط القصص الخبرية التي لا تنتهي، في وسائل الإعلام الدولية المكتوبة والمرئية، عن آخر الهجمات الإرهابية، ومحنة المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، وملحمة الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تبدو بلا نهاية.. كانت هناك قصة ضائعة وسط كل هذا الدفق الإعلامي، عن حدث مهم وقع في الخامس والعشرين من شهر يوليو المنصرم، في مدينة أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة. ففي هذا اليوم حطت الطائرة «سولار إمبلس 2» Solar Impulse2 التي تعمل بأشعة الشمس في المطار الذي كانت قد أقلعت منه، والواقع في العاصمة الإماراتية، بعد أن أكملت رحلتها حول العالم، من دون استخدام قطرة واحدة من الوقود التقليدي. ورغم أن كابينة الطائرة لا تتسع إلا لطيار واحد فقط، فإن اتساع جناحها يعادل اتساع جناح الطائرة بوينج 747، وهي مزودة بـ17 ألف خلية شمسية، ولا يزيد وزنها على وزن سيارة كبيرة. استغرق الأمر من الطائرة وطاقمها المعاون 17 شهراً، لإكمال الرحلة حول العالم، والتي بدأت من أبوظبي أيضاً في 9 مارس 2015، واتبعت الطائرة في رحلتها مساراً يبلغ طوله 40 ألف كيلومتر، امتد فوق الهند، والصين، واليابان، والولايات المتحدة، وأوروبا، وعاد في نهاية المطاف إلى أبوظبي، عبر العاصمة المصرية القاهرة. وكانت المرحلة الأطول من تلك الرحلة، هي الممتدة من اليابان إلى هاواي، وقد بلغت 8900 كيلومتر. وخلال هذه المرحلة، تعرضت الخلايا الشمسية للتلف، واضطرت الطائرة إلى الهبوط والمكوث في ورشة للصيانة ستة أشهر، لإصلاح العطل. ومع ذلك، فإن الرحلة تمثل إنجازاً جديراً بالإعجاب، في إطار الجهد الرامي لجعل الطاقة الشمسية بديلاً رخيص التكلفة لأنواع الوقود الأحفوري. من المعروف أن صناعة الطاقة الشمسية قد شهدت خلال السنوات القليلة الماضية نمواً مثيراً للإعجاب، وأن التحسينات المتواصلة في تقنية الخلايا الشمسية قد وفّرت وعداً بتخفيض التكاليف وتحسين الكفاءة في عملية توليد الكهرباء. وفي الوقت الراهن، تدخل الحدائق الشمسية إلى الخدمة في الولايات المتحدة، والصين، والهند، وأوروبا، والشرق الأوسط. وبعض أكبر تلك الحدائق من حيث الحجم، يمكن أن تولد كمية من الكهرباء تكفي لإنارة مدينة متوسطة الحجم. ومع تحسن التكنولوجيا، سوف تتحسن إنتاجية مثل تلك الحدائق بطبيعة الحال، لكن لن يتم تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري بدرجة كبيرة، إلا بعد مرور سنوات عديدة، خصوصاً إذا ما أخذنا في اعتبارنا أن التقنيات الجديدة، مثل تقنية التكسير، لن تؤدي إلى جعل استعادة الغاز الطبيعي أرخص تكلفة فحسب، وإنما أغزر إنتاجاً بشكل كبير. وإحدى المفارقات الساخرة، الخاصة بالسجال السياسي الأميركي، هي تلك المتعلقة بالمجهود الذي يبذله الحرس القديم من داعمي استخراج الفحم، لإنقاذ تلك الصناعة التي تعرضت للضعف إلى حد كبير، بسبب أخطر منافس لها، وهو الغاز الطبيعي. ورغم أن الجمهوريين في الولايات المتحدة، لا يريدون لفت الأنظار علناً إلى التأثير المدمر للاحتباس الحراري العالمي على بلادهم ذاتها، فالحقيقة هي أن مهمة تحقيق تخفيضات ملموسة في الانبعاثات الكربونية ستستمر، على الأرجح، بصرف النظر عن شخصية الرئيس الجالس في البيت الأبيض. ومع ذلك ليس ثمة شك في أن انتصار المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون سيؤدي إلى تسريع الجهود الرامية لتطوير أنواع وقود بديلة واستراتيجيات تعويضية، لمعادلة تأثر ارتفاع مستويات سطح البحر، وزيادة حالات الجفاف في أماكن مختلفة من المعمورة. ورفيق هيلاري على تذكرتها الانتخابية لشغل منصب نائب الرئيس، وهو السيناتور «تيم كين» عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرجينيا، يعرف تمام المعرفة ماهية الأخطار التي ستواجهها ولايته في السنوات المقبلة عندما تجتاح مياه البحر، القاعدة البحرية الضخمة في «نورفولك». لهذا السبب، والعشرات من الأسباب الأخرى في الحقيقة، فإن الرحلة الناجحة للطائرة «سولار إمبلس 2» يجب أن يُنظر إليها باعتبارها تمثل دليلاً مهماً على أن التقنيات والتكنيكات الجديدة المتعددة، الخاصة بتقليص الانبعاثات الكربونية ليست مسألة عملية فحسب، وإنما أيضاً ضرورية، ولا غنى عنها بأي حال من الأحوال. فكل خطوة جديدة يجري اتخاذها لجعل أنواع الوقود الأحفوري أكثر نظافة وجعل أنواع الوقود البديلة أرخص تكلفة، تعتبر خطوة في الاتجاه السليم، وهذه حقيقة تأكدت بشكل واضح، عندما وقّعت 178 دولة من دول العالم «اتفاقية باريس للمناخ» في ديسمبر 2015.