تحدث نتنياهو مؤخراً إلى الصحفيين الإسرائيليين عن العلاقات مع الشعب الفلسطيني في كلٍّ من غزة والضفة، وهو حديث ذكّرني بنظرية الحلول العملية لما يسميه الفكر الصهيوني (المسألة العربية)، وهي النظرية التي ظهرت على يد بعض المثقفين اليهود الذين وفدوا مبكراً إلى فلسطين في إطار الحركة الصهيونية. ولكي نرى العلاقة بين منطق نتنياهو وتلك النظرية دعونا نرى أولا ماذا قال بشأن غزة. لقد اعترف نتنياهو بأن الأوضاع الإنسانية متردية وبأن الأحوال الاقتصادية صعبة، دون أن يربط هذه الأوضاع بواقع الاحتلال الذي يفرض حصاراً على القطاع ودون أن يشير من قريب أو بعيد إلى أن في غزة شعباً يفتقد حريته ويتطلع إلى استقلاله. بناءً على هذا التشخيص المبتسر للوضع في غزة، قال ما معناه إنه وفّر العلاج للمشكلة وذلك من خلال السماح بإدخال الحاجات الأساسية للناس، وأنه قرر فتح معبر إريتز بالإضافة إلى المعبر المفتوح أصلاً بين إسرائيل وغزة وهو معبر كرم أبوسالم. مفهوم طبعاً أن هذا العلاج العملي ناتج عن تقارير الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي تتوقع انفجار الأوضاع في غزة نتيجة الضغوط على الناس بما قد يؤدي إلى نشوب صدام مسلح جديد. إن هذا الحل البعيد عن الأصل السياسي للمشكلة يمثل استمراراً لنظرية الحلول العملية التي ظهرت مبكراً عام 1913 عندما كان الوجود اليهودي الصهيوني هزيلاً في فلسطين وكانت المستعمرات اليهودية القليلة تتعرض لهجمات الفلاحين العرب. لقد أراد بعض المثقفين الصهاينة آنذاك تفادي المقاومة العربية دون الاعتراف بالأصل السياسي للمشكلة والمتمثل في فرض مشروع أجنبي يهدد وجود الشعب العربي في أرضه. أراد أصحابه أن يتهربوا من الاعتراف بأن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق التاريخي على الأرض الفلسطينية ليواصلوا قناعتهم الصهيونية بأنهم هم أصحاب الحق التاريخي في فلسطين وأن صفة الشعب الفلسطيني أنه مجرد ساكن فيها دون حقوق ملكية أو جذور تاريخية. ترتيباً على هذا الفهم طرحوا مجموعة حلول عملية، معتقدين أنها كافية لإخماد الغضب الفلسطيني، مثل التيسير على الفلاحين ومنحهم فرص عمل في المستعمرات وعدم الإضرار بمصالحهم كمستأجرين للأراضي التي يبيعها ملاكها للحركة الصهيونية. هل يظهر أي فرق بين منطق وحلول هذه النظرية وبين ما يطرحه نتنياهو بشأن غزة؟ لا أظن. إن رؤية نتنياهو للشعب الفلسطيني في الضفة لا تختلف من حيث الجوهر رغم أنه يتحدث عن مفاوضات مع السلطة الفلسطينية. إنه يواصل عملية قضم الأرض وهضمها بزيادة رقعة الاستيطان من ناحية وزيادة عدد المستوطنين اليهود من ناحية ثانية. إن كل ما يفعله طبقاً لنظرية الحلول العملية (للمسألة العربية) عندما تحذره أجهزته الأمنية من مخاطر الغضب الفلسطيني وما يترتب عليه من عمليات طعن، هو التفكير في تحسين الأوضاع المعيشية في الضفة مع إطلاق تصريحات عن رغبته الجوفاء في المفاوضات. وعندما سأله الصحفيون الإسرائيليون عن توجهه حيال المبادرات المطروحة للسلام تملص كعادته. إنه يعلم أن القمة العربية في نواكشوط قد أعلنت تأييدها للمبادرة الفرنسية ولإيجاد الحل السياسي للصراع على أساس إنهاء الاحتلال للأراضي المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية على أساس المبادرة العربية والمرجعيات الدولية. طبعاً تهرب نتنياهو عندما قال: «لا أظن أن هناك فائدة تُرجى من المبادرة، لأنها تشرك دولاً بعيدة عن المنطقة في عملية السلام»، في استمرارٍ لما سبق أن قاله قبل اجتماع دول المبادرة في باريس من أنه يرفضها لأنها تشجع الفلسطينيين على رفع سقف مطالبهم. إن ما طرحه نتنياهو كبديل للمبادرة التي وافق عليها العرب هو الهروب إلى فكرة غامضة عن عملية تقوم على دفع المفاوضات داخل المنطقة. إنه بهذا يحوّل المفاوضات نفسها إلى حل دون أي التزام بالحل السياسي.