بدأت «تيريزا ماي» تولي مهام منصبها كرئيسة وزراء مع حزبها، حزب المحافظين، وهو في أقوى مواقفه منذ أكثر من ربع قرن. وفي اقتراع مباشر، تقدمت على خصمها في حزب العمال بفارق أكثر من 30 نقطة، وبأصوات شملت ناخبين من كلا طرفي الطيف السياسي ممن اختاروا «البقاء» أو «المغادرة» في استفتاء بريطانيا حول الاتحاد الأوروبي الذي أجري في شهر يونيو. وهذا يعطي «ماي» فرصة غير عادية لوضع بصمتها على الأجندة السياسية في السنوات المقبلة. كما أن أداء حكومتها المحافظة جيد بشكل غير عادي بالنسبة لهذه المرحلة من الدورة الانتخابية. وحتى قبل طفرة الزعيمة الجديدة، كان المحافظون متقدمين. وأعطت استطلاعات الرأي منذ وصول «ماي» إلى 10 داونينج ستريت (مقر الحكومة البريطانية) المحافظين مراكز متقدمة بنحو رقمين، بما في ذلك استطلاع الرأي الذي أجراه مركز «أي سي إم» وقد تقدم فيه المحافظون بواقع 43 مقابل 27 نقطة. وهذه الأرقام تقريباً مساوية لنسبة الأصوات في انتخابات 1983، عندما حققت مارجريت تاتشر لحزبها أكبر تقدم ساحق منذ عام 1945. وربما لم يظهر بعد التأثير الكامل لهذه القفزة. وهناك تفسيرات مختلفة لهذه الهيمنة، بما في ذلك الظروف الفريدة التي أحاطت بالتصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ورحيل سلف «ماي»، رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، بسبب خروج بريطانيا وليس بسبب أداء الحزب. وفي الواقع، ووفقاً لبيانات استطلاع الرأي التي جمعها «مارك باك»، فإن كاميرون هو أول رئيس وزراء يقدم استقالته في وقت يحرز فيه تقدماً في استطلاعات الرأي. كما خاضت «ماي» جولة أسهل، حيث أدى انسحاب «أندريا ليدسوم» من سباق زعامة حزب المحافظين إلى التتويج السريع بدلًا من خوض سباق مطول وتصويت الأعضاء. وبذلك أزال العديد من المشاكل المرتبطة بالمنافسة على القيادة، أن تضطر لخوض معارك قاسية، تتمثل في الحاجة لإقناع القاعدة الشعبية قبل التحول إلى الناخبين على نطاق أوسع، وأن تكون مجبرة على التعهد بأشياء ربما يثبت بعد ذلك أنها ستكون مقيدة لسياساتها المستقبلية. وفي حين أوضحت آراءها بشأن خروج بريطانيا والهجرة، قطعت ماي وعوداً أقل بالنسبة للسياسة الداخلية. وعلى النقيض، فإن المعارضة في حالة من الفوضى. وبعد أن فقد الآن مقاعد في أربعة انتخابات عامة متوالية، يعرف حزب العمال سباقاً خلافياً على القيادة، تشوبه المشاحنات بين الأجنحة، ومناقشات بشأن العملية (انتهى الأمر بأحدها في المحكمة، حيث رفع أحد المانحين دعوى ضد الحزب)، ونظريات تآمرية غريبة! ويتنافس زعيم حزب العمال «جيرمي كوربين» حالياً مع خصمه «أوين سميث» على المنصب، وهي المعركة التي لن يتم حسمها حتى حلول موعد مؤتمر القيادة في 24 سبتمبر. وحتى ذلك الحين، لن تنتهي مشاكل حزب العمال. ويدور الاقتتال الداخلي في الحزب في معظمه حول الأيديولوجية الاقتصادية. ويشير التباين في المواقف بشأن الهجرة والهوية والقيم إلى ظهور فجوة ثقافية بين الحزب وناخبيه، وكل من فريقي القيادة يجد نفسه على النقيض من قاعدة الدعم التقليدية للحزب. ولم تضيع ماي الفرصة التي تمثلها الفوضى التي تنتاب المعارضة، على رغم انشغالها بإبراز موضوعات مثل العدالة الاجتماعية وإصلاح رأس المال. وكان موقف رئيسة الوزراء ذكياً. فكثير من ناخبي الطبقة الوسطى المترددين ربما يكونون مهتمين بالسياسات الاقتصادية لحزب العمال، ولكنهم مترددون في تأييد حزب يرونه غير مكترث ومنقسم على نفسه. وبين الطبقة الأقل ثراء، تم التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليس من قبل أولئك الذين يعتمدون على الدولة ولكن بالأحرى من يتدبرون أمورهم بدونها. وكثير من هؤلاء الناخبين هم ثقافياً من المحافظين، وغير راضين عن حزب العمال، ويستميلهم حزب استقلال المملكة المتحدة المناهض للاتحاد الأوروبي والهجرة. كما تتمتع ماي أيضاً بجاذبية كبيرة مقارنة بسلفها، الذي كان غالباً ما ينظر إليه باعتباره بعيداً جداً عن هموم الناخبين العاديين. وقد أكد استطلاع حديث للرأي أن ناخبي حزب العمال ينظرون إلى ماي بصورة أكثر إيجابية من رؤيتهم لكاميرون بنحو ست مرات. وما تبقى من البرلمان الحالي، الذي سيستمر حتى عام 2020، لن يكون خالياً من التحديات، بما في ذلك تنفيذ خروج بريطانيا، وإدارة الحزب البرلماني بأغلبية فعالة، واحتمال إجراء استفتاء ثانٍ لاستقلال اسكتلندا. ولكن بالحكم من خلال الظروف الحالية، فإن لدى ماي فرصة استثنائية للهيمنة على سياسة بريطانيا لسنوات عديدة مقبلة. مات سينج: مدير موقع «نامبر كرانشر بوليتيكس» لاستطلاعات الرأي والانتخابات ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»