في أغلب الأحوال، يؤيد دونالد ترامب روسيا ويمدح زعيمها أو يعد بتعديل بعض جوانب السياسة الأميركية لصالحها. وإزاء ذلك يعبّر خبراء السياسة الخارجية عن غضبهم فيما يعاند ترامب دوماً ويرفض التراجع. ولكن في يوم الاثنين الماضي وجد ترامب أنه لا يستطيع دعم تدخل روسيا في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم في عام 2014. فقد كان المرشح الرئاسي الجمهوري قد صرح يوم الأحد الماضي بأن الرئيس فلاديمير بوتين لن يدخل أوكرانيا ونبهه مضيف البرنامج التلفزيوني إلى أن بوتين دخل أوكرانيا بالفعل، وحينها قال ترامب «حسناً إنه هناك بطريقة ما. ولكنني لست هناك»! وتصريحات ترامب المضطربة هذه جعلت المحللين يخمنون قصده من ورائها. وفُسر تصريحه بأنه موافقة على سياسة الكرملين في أوكرانيا مع الأخذ في الاعتبار سجله في الدفاع عن روسيا. ولكن في يوم الاثنين، أوضح ترامب أن قصده أنه إذا أصبح رئيساً فإن إدارته ستمنع روسيا من تعزيز تدخلها، وهو موقف يتسق مع تصريحاته السابقة. وتراجُع ترامب هذا يؤكد مدى ما أثارته تحركات روسيا من انتقادات في صفوف بعض زعماء العالم. فحتى ترامب الذي صرح مراراً بأنه يرغب في العمل مع روسيا لن يدافع عنها إن صار رئيساً. وبدأ تدخل روسيا في أوكرانيا في فبراير 2014 بعد أن أطاحت احتجاجات الأوكرانيين بالرئيس المؤيد للكرملين. وبعد أن عمت الفوضى أوكرانيا، نشرت روسيا عدداً صغيراً من القوات الخاصة بغير زي عسكري في شبه جزيرة القرم. وأغرقت وسائل الإعلام الروسية التابعة للدولة المنطقة بالتقارير عن النازيين الأوكرانيين الجدد الذين يأتون لتطهير القرم من ذوي الأصول الروسية وهم يمثلون الأغلبية هناك. واستولت القوات الروسية التي ظهرت في صورة مجموعات محلية للدفاع الذاتي على المنشآت الحيوية، وخضعت المنطقة لسيطرة روسية غير معلنة. وعقدت القرم استفتاء بشأن البقاء في أوكرانيا أو الانضمام إلى روسيا التي ضمت القرم رسمياً في مارس. وبعد ذلك بشهر واحد اعترف الرئيس بوتين بأن «المليشيات» كانت قوات روسية. وأوضح ضم القرم بطريقة التدخل الروسي في أوكرانيا التي مزجت بين وسائل الحرب «المهجنة» للقرن الحادي والعشرين مثل الحملات الإعلامية الموجهة والقوات التي تعمل بالوكالة، ويمكن التنصل منها، والهجمات الرقمية، وبين السياسات التدخلية الأكثر قرباً للقرن التاسع عشر. وقد كانت أول حرب ناجحة للصراع على الأراضي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وانتهكت روسيا واحداً من أكثر الأعراف رسوخاً في النظام العالمي لما بعد الحرب، وهو عدم استيلاء أي دولة على أراضي الدول الأخرى مما أثار قلق زعماء العالم الذين يرون أن هذا العرف حاسم للحفاظ على السلام. وفرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات صارمة على روسيا لمعاقبتها على عملية الضم ولكن تدخلها في أوكرانيا لم يتوقف. ففي غضون أسابيع قليلة بدأ متمردون انفصاليون مؤيدون لروسيا الاستيلاء على بلدات في منطقة جنوب شرق أوكرانيا التي تتمتع بعلاقات ثقافية وسياسية وثيقة مع روسيا. ويؤكد محللون مستقلون ووكالات استخبارات غربية أن موسكو تدعم المتمردين. وعلى رغم أن الأمر بدا في بدايته أن الكرملين ربما أغراه أن يكرر استراتيجية ضم القرم في شرق أوكرانيا إلا أنه طالب بمنح المنطقة حكماً ذاتياً خاصاً مما يحافظ على النفوذ الروسي هناك. ووضع قوات على امتداد حدود أوكرانيا مما يشير إلى أنه قد يتدخل «لحماية» سكان المنطقة الناطقين بالروسية إذا حاولت القوات الأوكرانية فرض سيطرتها. وحين حاولت أوكرانيا فرض سيطرتها بالفعل، أصبح المتمردون الانفصاليون الذين كانوا يعتمدون على وسائل بدائية فجأة يستخدمون أنظمة أسلحة ثقيلة بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات. وفي 17 يوليو عام 2014 أسقطت طائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الماليزية فوق الأراضي التي يسيطرون عليها في شرق أوكرانيا مما أدى إلى مقتل كل الأشخاص الذين كانوا على متنها وعددهم 283 شخصاً. ويعتقد محللون غربيون أن بوتين يريد إبقاء «الصراع مجمداً» كي يبقي أوكرانيا ضعيفة وعرضة للتدخل الروسي. وهذا يوضح مدى تعقيد هذا الصراع والدرجة التي أثارت بها موسكو قلق الزعماء الغربيين إلى درجة أن ترامب رغم ولعه بتجاوز كل الخطوط المتعارف عليها في الخطاب السياسي شعر بأن الدفاع عن موقف موسكو ولو ضمناً سيتجاوز الحد بأكثر من اللازم. ماكس فيشر: محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»