تحتل الهند المركز الثاني بعد إندونيسيا من حيث وجود أكبر عدد من السكان المسلمين بها. فهناك أكثر من 200 مليون مسلم هندي يعيشون في ولايات مختلفة من البلاد ويتكلمون لغات مختلفة. لكن ما يربطهم معاً هو الإسلام وقيمه وتعاليم السلام فيه. وكثير من الباحثين والأكاديميين داخل وخارج الهند يتساءلون عن سبب عدم انجذاب مسلمي الهند، رغم عددهم الكبير، إلى أفكار «القاعدة» أو«داعش» عن الخلافة الإسلامية. وهذا رغم التجاوزات التي ارتُكبت ضد المسلمين الهنود في الآونة الأخيرة من عدد قليل من الجماعات اليمينية في عدد من الولايات ومن قوات الأمن في كشمير مما تمخض عن اندلاع العنف في هذه الولاية. ولا شك في أن كشمير تشهد منذ فترة طويلة اضطرابات لكن مسلمي الهند يعلمون أن العنف هناك لا علاقة له بالإسلام أو بالصراع بين القوى الإسلامية وغير الإسلامية. لقد كانت كشمير جزءاً من الهند منذ عصور حتى قسمها المستعمرون البريطانيون بين الهند وباكستان. وكانت كشمير التي 95 في المئة من سكانها مسلمون تجنح للبقاء مع الهند. لكن بعد التقسيم شن الجيش الباكستاني بدعم نشط من بعض القبائل هجوماً على كشمير لجعلها جزءاً من باكستان. رغم أن الجيش الباكستاني استطاع احتلال ثلث الولاية لكنه فشل في انتزاع باقي كشمير. ومنذ ذاك الوقت هناك انتشار كبير للجيش الهندي وقوات الأمن الاتحادية لعدة أسباب منها تسلل المتشددين الإسلاميين المسلحين من الجانب الباكستاني في كشمير. وهؤلاء الذين يُطلق عليهم «جهاديين» هم في الغالب مرضى نفسيين يعبرون الحدود مدججين بالسلاح وبالتحفيز الديني الذي يستقونه من جماعات باكستانية متشددة مثل جماعة «عسكر طيبة» وجماعة «حزب المجاهدين» بتواطؤ مع الجيش الباكستاني. ولا ننكر أن هناك كشميريين محليين أيضاً حملوا السلاح ضد الوجود الهندي لكنهم ببساطة متمردون مستاؤون من الحكومة الكشميرية المحلية بسبب تجاهلهم في فرص التوظيف والتعليم وبرامج الرعاية الاجتماعية الأخرى وهم ليسوا قتلة مجانين مثل مقاتلي داعش. إنهم ببساطة لا يؤيدون إقامة خلافة إسلامية في كشمير كما تريد داعش لكنهم يريدون «الحرية» من الحكم الهندي. ورغم أن هناك إشاعات، لم يجر التثبت منها بعد، تشير إلى أن ما بين ستة إلى عشرة شبان مسلمين فروا من منازلهم وذهبوا للانضمام إلى «داعش» لكن الغالبية الساحقة من جماعة المسلمين الهنود ترفض فكرة الخلافة. صحيح أن هناك عدداً من الجماعات المتطرفة مثل «طلاب الحركة الإسلامية الهنود» التي ظهرت كرد فعل على أنشطة الجناح اليميني المتطرف للقوى الهندوسية مثل «جماعات حماية البقرة» وغيرها فإن أنشطتها ما زالت تركز على القضايا المحلية وهذه الجماعات لا تشكل أي خطر كبير حتى داخل البلاد. ونجحت وكالات الأمن الهندية بشكل أكبر بكثير من نظيراتها في بنجلادش أو فرنسا في كسر شوكة هذه الجماعات من خلال تعقبها. لكن هذا ليس السبب الوحيد الذي يجعل المسلمين الهنود يلتزمون بالطريق المستقيم والصالح أخلاقياً وفكرياً وسياسياً. فالمسؤول الأساسي عن عدم انضمام المسلمين الهنود إلى الإرهابيين هو المجال العلماني الذي يوفره المجتمع الهندي متعدد الثقافات. ونتيجة لهذا فحتى لو كان المسلمون يعانون فقراً أو بطالة أكبر من غيرهم من الجماعات الأخرى فإن أملهم لم ينقطع. وذوبان المسلمين في مجتمع تعددي هو سبب آخر يجعل تحمسهم للإرهاب غير وارد. وعلى خلاف ما يحدث في الغرب، فإنهم لا ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية في الهند حتى لو كانوا يشتركون فيما هم محرمون منه مع الجماعات الأخرى. وهم يدركون أن البلاد تتقدم ووضعهم الاقتصادي والاجتماعي سيتحسن ذات يوم. وعلى خلاف ما هو قائم في الغرب، فقد بلغ عدد كبير من المسلمين في الهند قمماً رفيعة في كل المجالات تقريباً وانضموا إلى صفوف الأثرياء والمشاهير. والحال ليس كذلك في الغرب حيث المسلمون، باستثناء حالات قليلة، من الجيل الثاني والثالث ليس لديهم أي أمل تقريباً في أنهم سوف يصعدون إلى القمة ذات يوم. وشعورهم الدائم بأن المجتمع الغربي ينظر إليهم باستهانة وارتباطهم بحياة مملة ومثيرة للضجر يجعل داعش بديلاً جذاباً. والحوافز في باكستان وبنجلادش مختلفة. ففي باكستان، دفعت الكراهية العميقة للهند بسبب تمسكها بالسيطرة على كشمير إسلام أباد إلى استخدام الإرهاب كسلاح في الحرب. وفي بنجلادش فإن العداوة المستمرة بين الحزبين الرئيسين، وهما حزب رابطة عوامي وحزب بنجلادش الوطني، هي ما ساعد الإرهابيين على أن يجدوا مكاناً لهم وسط هذه العداوة في المجتمع. ولذا نؤكد أنه حتى لو كان من الصحيح أن هناك صعوداً لعناصر من الجناح اليميني الهندوسي لجأت إلى قتل عدد قليل من المسلمين لمجرد الشك في أنهم يحتفظون بلحوم الأبقار في منازلهم وأن بعض المتشددين وسط المسلمين الهنود يفكرون في الثأر، لكن احتمال أن تحرز داعش انتصاراً وسط المسلمين الهنود ليس مستبعداً فحسب لكنه مستحيل تقريباً. د. ذِكْرُ الرحمن مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي