أكد الرئيس باراك أوباما منذ بداية رئاسته أنه يتمنى أن تندمج إيران في المجتمع الدولي، ولا اعتراض على هذه الفكرة المجردة بحد ذاتها. بمعنى أن إيران إذا غيرت تصرفاتها فعلى الدول الغربية أن تقابلها في منتصف الطريق، ولكن إذا أردنا فهم الأمر في واقع الحال فإن هذا قد يكون ذا تبعات أخرى. ولنأخذ على سبيل المثال مصير مهدي خوسرافي، المعارض الإيراني الذي حصل على حق اللجوء في المملكة المتحدة عام 2009. ففي يوم السبت الماضي اعتقلت الشرطة الإيطالية خوسرافي في مدينة «ليكو» بناء على طلب من محكمة إيرانية. ولو كانت إيران دولة عادية لما أثار هذا خلافاً، فالدول تفي بطلبات الترحيل دائماً. ولكن إيران، مثل روسيا، تستخدم أحياناً عملية الترحيل لاستهداف معارضين سياسيين، ولكم أن تسألوا المستثمر الأميركي وليام برودر الذي توفي محاميه سيرجي ماجنيتسكي في السجن أثناء التحقيق في سرقة عائدات الضرائب. وفي العام الماضي أرسل الروس «مذكرة حمراء» إلى الشرطة الدولية لاعتقال «برودر». وفي يوم الاثنين أرسل الملحق الثقافي في السفارة الإيطالية في واشنطن لي رسالة من قسم شرطة في مدينة «ليكو». وجاء في الرسالة أن السلطات نفذت اعتقال خوسرافي وفقاً لـ«مذكرة الاعتقال الدولية الصادرة عن محكمة طهران لجرائم الفساد بغرض الترحيل». ويتوقع أن تعرض القضية على محكمة إيطالية في الأسابيع المقبلة للبت في مشروعية اعتقال خوسرافي. ولكن وصول الأمر إلى هذا الحد مثير للقلق، فمن المعروف أن خوسرافي ليس ناشطاً شهيراً ولكنه كان معارضاً سياسياً للنظام، مما جعل المملكة المتحدة تقبل منحه حق اللجوء بعد عمليات الاعتقال التي أعقبت الانتخابات الإيرانية الرئاسية المثيرة للجدل. واليوم يعمل خوسرافي مع مجموعة يتزعمها رضا بهلوي نجل شاه إيران المخلوع تطالب بانتخابات حرة ونزيهة في إيران، ويؤكد سهند صابر محامي خوسرافي أن اعتقال إيطاليا لموكله لا علاقة له باتهامات فساد، وذكر صابر أن خوسرافي «يكتب حالياً مقالات وتدوينات عن الديموقراطية والحاجة إلى الفصل بين السلطات في إيران»، وهذا ما يثير غضب السلطات في طهران. ويرى صابر أن الاعتقال ربما يمثل مسعى من جانب بعض مسؤولي الحكومة الإيطالية لتقديم دعم للإيرانيين بعد إبرام الاتفاق النووي العام الماضي، ويعتقد صابر أن الحكومة الإيطالية تريد إبرام صفقات اقتصادية مع النظام الإيراني، ولم تقدم السفارة الإيطالية تعليقاً بخلاف البيان الصحفي من قسم الشرطة في مدينة «ليكو»، ولو صحت نظرية صابر فإنها تشير إلى نتيجة مقلقة أخرى ناتجة عن الاتفاق النووي الإيراني، فحين روج المسؤولون الأميركيون في بداية الأمر للاتفاق النووي أكدوا أن العقوبات على برنامج إيران النووي لن ترفع إلا في مقابل تنازلات إيرانية. وكانت إيران قد وافقت بموجب الاتفاق المبرم في يوليو 2015 على تقليص برنامجها النووي مقابل رفع بعض العقوبات التي يفرضها عليها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة، وبمقتضى الاتفاق النووي رُفع الكثير من العقوبات الدولية عن إيران في يناير الماضي. ومنذ ذلك الوقت تدفقت وفود تجارية أجنبية على طهران ووقعت اتفاقات بمليارات الدولارات. ونقلت «رويترز» الشهر الماضي عن كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين عباس عراقجي قوله إن القوى الدولية المشاركة في الاتفاق النووي اتفقت مع طهران على ضرورة تذليل العقبات أمام المعاملات المصرفية. ومن جهته عبر باتريك كلاوسون، مدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، عن أمله في أن يكون اعتقال خوسرافي نتيجة «فوضى بيروقراطية وليس مسعى لتقديم دعم للإيرانيين». ويؤكد كلاوسون أن الإيرانيين أرسلوا أسماء بعض الخصوم السياسيين إلى الشرطة الدولية مطالبين بترحيلهم قضائياً منذ سنوات. ولكن الحكومات الغربية تجاهلت تماماً هذه الطلبات. ويرى كلاوسون أن «مجرد قبول حكومة غربية شخصاً ما كلاجئ يجعل عدم اعتقاله واجباً... وما لم تعتقل السلطات هذا الرجل بسبب جريمة ارتكبها خارج إيران فإن مجرد اعتقاله مثير للقلق». وهذا يعني أن تلبية طلب الاعتقال يمثل نوعاً من الدعم السياسي لإيران، فقد كان النظام الإيراني يرسل في الماضي عملاء إلى بعض الدول الغربية لقتل منشقين سياسيين مستبقاً أي عملية قضائية، ولعل أشهر الأمثلة حدث في عام 1992 حين قتلت فرقة إيرانية ثلاثة من زعماء الأكراد الإيرانيين ومترجمهم في مطعم «ميكونوس» في برلين، وعلى الأقل الآن يحاول النظام أن يحضر خصومه إلى البلاد قبل إعدامهم، ولكن الدرس الحقيقي لقصة خوسرافي هو أن إيران ما زالت تمثل تحدياً لبعض قيم المجتمع الدولي الذي كان أوباما يأمل أن تكون مستعدة للانضمام إليه. ------------------ إيلي ليك محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»