أقترح عليكم أيها السيدات والسادة أن نستعرض معاً الطريقة التي اغتيل بها رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين (4 نوفمبر 1995). فلقد عمل معارضوه من الجناح «اليميني» المتطرف على نزع الشرعية عنه لأنه كان في نظرهم «خائناً» و«نازيّاً» لمجرّد سعيه لإقامة السلام مع الفلسطينيين وإعادة جزء من «أرض إسرائيل» إليهم! وبالطبع، كل شيء جائز في السياسة، وخاصة عندما يعتقد أمثال هؤلاء بأن (الله يقف في صفهم)! ومع ذلك فإنهم لم يطلبوا من أحد اغتياله لأن ذلك سيكون أمراً مرعباً. ولكن، غالباً ما تعثر في أوساط الصف الثاني من أفراد المجتمع على البعض ممن يتجاهلون التداعيات والنتائج، وهم الذين التقطوا لتوّهم مضمون الرسالة: فهذا الرجل بات فاقداً لشرعيته، ويمثل خطراً على الأمة، ولا يختلف عن مجرمي الحرب النازيين، ثم يتساءلون: هل تعلم ما يتوجب علينا أن نفعله مع أناس مثل هذا الرجل؟ الجواب بسيط: سوف نقتله. وهذا هو بالضبط ما فعله المتطرف اليهودي «ييجال أمير» برابين. لمَ لا؟ طالما أنه كان يظن أنه مفوّض لاقتراف هذا الفعل الخطير من أعلى طبقة في المنظومة السياسية الإسرائيلية. وفي شهر سبتمبر الماضي، كتبتُ عموداً صحفياً حذّّرت من خلاله أن اللغة التي يستخدمها دونالد ترامب يمكنها أن تؤدي إلى مثل هذا الفعل المتصف بالعنف والقسوة. ولم أكن أتخيل أبداً أن يزعم هذا الرجل ذو التفكير المنحرف بأن هيلاري كلينتون عقدت العزم على إلغاء «القانون المعدل الثاني» القديم (الذي يعود لعام 1791) ويسمح للمواطنين بحمل السلاح، خوفاً من أن يستغله بعض «الهواة» لإيقافها عند حدّها، وقال ترامب خلال حملة انتخابية في مدينة ويلمينجتون بولاية نورث كارولاينا يوم الثلاثاء الماضي: «تسعى هيلاري بكل الجد والإصرار إلى إلغاء القانون المعدل الثاني». وسرعان ما لاحظ مساعدو ترامب مدى الانحراف والخروج عن النسق الذي انطوت عليه كلماته، وعمدوا إلى نكران أن يكون القصد من كلامه هو تحريض حاملي الأسلحة لأن يتسببوا بأي أذى لهيلاري. إلا أن هذا الطرح لا يتفق مع ما قاله بالفعل، فلقد كان كلامه غامضاً ومتضمناً إيماءة مستترة للتعبير عن أنه لم يكن يقصد من كلامه الإشارة إلى الاغتيال، وهذا أشبه بقصة اغتيال رابين. وعندما عدت للكتابة حول هذه القضية الخريف الماضي، فلقد كان هدفي من ذلك هو تشجيع القراء على مشاهدة الفيلم الجديد الذي يحمل عنوان: «رابين.. اليوم الأخير» للمخرج الإسرائيلي «آموس جيتاي» الذي بُرمج عرضه بحيث يصادف الذكرى العشرين لاغتياله، وكتبت الصحفية إيزابيل كيرشنير مراسلة صحيفة The Times في إسرائيل بعد إطلاق عرض الفيلم هناك، تقول: «لم تكن القوى التي تتحمل المسؤولية مجهولة، إنهم الحاخامات المتطرفون والمستوطنون المسلحون الذين وصفوا رابين بالخائن، ومعهم السياسيون المتطرفون من الحزب «اليميني»، الذين ركبوا معاً موجة التحريض السامة ضد رابين، عندما قادوا الحملة المضادة لاتفاق أوسلو». ويمكنني أن أضيف لهؤلاء، الوكالات والمصالح الأمنية التي فشلت في التعامل مع التحذيرات التي تشير إلى أن الدعوات التحريضية يمكن أن تخرج عن السيطرة. وأشارت «كيرشنير» إلى ملاحظة مهمة حيث قالت: «لم يظهر السيد رابين في أول ساعتين من الفيلم. وأما بنيامين نتنياهو الذي كان يقود المعارضة في ذلك الوقت، فكان قد ظهر في فيلم آخر وهو يلقي الخطاب المحموم باسم الجناح اليميني المتطرف لحزبه من شرفة تطل على ميدان صهيون في القدس، وحيث كان المتظاهرون يهتفون بأعلى أصواتهم بالموت لرابين الخائن وهم يرفعون صوراً مدبلجة له وهو يرتدي الزيّ الموحّد لرجال الحرس النازي». واليوم، نتنياهو هو رئيس الوزراء الذي يؤكد أنه لم يرَ أبداً تلك الصور، ولم يكن يسمع تلك الشتائم التي تُكال لرابين. وأنا متأكد الآن أن هذا هو بالضبط ما سوف يقوله أنصار ترامب أيضاً. إلا أن ترامب يعرف ما يفعله، وهو شيء خطير في هذا العالم الذي نعيش فيه هذه الأيام. وخلال السنة الماضية، شهدنا وقوع عدد كبير من الجرائم الإرهابية في أميركا وأوروبا قام بها رجال ونساء يعيشون على هامش المجتمع، وبعضهم من ذوي السوابق الإجرامية، وغالباً ما يعانون من اضطرابات نفسية، ويتابعون بكل اهتمام ما تنشره «مواقع شبكات التواصل الاجتماعي الجهادية». وهم ينصتون بإمعان إلى ما يعتقدون واهمين أنه الوحي الذي يدعوهم لفعل ما يريده الله! ويقتضي الأمر هنا التذكير بأن أحد مستشاري ترامب غير الرسميين في القضايا الوطنية يدعى آل بالداسارو، وهو نائب «جمهوري» عن ولاية نيو هامبشير، كان قد أعلن جهاراً بأن من الواجب «قتل كلينتون بسبب خيانتها» عند معالجتها للهجوم الإرهابي على القنصلية الأميركية في بنغازي. ولعل أفضل وصف لهذا الوضع الخطير هو الذي جاء على لسان كاتب العمود السياسي في صحيفة «ها آريتس» الإسرائيلية شيمي شاليف الذي خرج من متابعته لمؤتمر الحزب الجمهوري بجملة مهمة حيث قال: «كما هي حال اليمين المتطرف في إسرائيل، فإن العديد من الجمهوريين يتجاهلون الحقيقة التي تفيد بأن: من بعض الكلام ما قتل». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»