هل تخلى دونالد ترامب عن مسعاه للفوز بالبيت الأبيض وركز اهتمامه على بناء قاعدة شعبية على مستوى البلاد لفترة ما بعد الانتخابات، ربما تسمح له أن يقيم إمبراطورية إعلامية يديرها هو لتخدم بدرجة ما القوميين البيض أو اليمين المتطرف؟ هل كانت هذه خطته الأصلية؟ فقد ظهرت، في الأيام القليلة الماضية، تقارير وأدلة جديدة على أن هذه هي الجهة التي يسير فيها ترامب بالفعل، وهو احتمال تكهن به عدد من المراقبين منذ شهور. وفي اعتقادي أنه من المفيد تقديم الأدلة هنا. وأول هذه الأدلة أن الكاتبة سارة أيليسون، المتخصصة في الإعلام، ذكرت في مجلة «فانتي فير» في مقابلة مع محطة راديو أن ترامب أجرى مناقشات غير معلنة مع دائرته الداخلية عن كيفية استغلال الجمهور الجديد الذي حشده. وأضافت أيليسون أن الهدف المحتمل ينبغي ألا يُعتبر «تكهناً» لأن اهتمام ترامب بخلق إعلام خاص به بات شبه مؤكد. ثم ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في الأيام القليلة الماضية أن حملة ترامب في شهر يوليو الماضي «أنفقت أموالاً في استئجار أماكن لإلقاء كلماته» أكثر مما أنفقت على وضع برنامج قومي، مما تركه دون برنامج يتحدث عنه. وهذا يتسق مع ما تكهن به كاتب هذه السطور من قبل وهو أن ترامب على وعي تام بضخ معظم موارده في صيغة اجتماعات انتخابية حاشدة تسمح له بأن يستمر في إقامة صيغته الفريدة من الترفيه السياسي الصاخب على غرار مباريات مصارعة المحترفين، وحشد جمهور يتحمس لها بدلاً من الفوز بالانتخابات العامة. ثم كتبت الصحفية سارة بوسنر من مجلة «مازر جونز» تقريراً في الأيام القليلة الماضية أيضاً عن رئيس حملة ترامب الجديد ستيفن بانون. وأشارت بوسنر إلى أن بانون يمتلك مهارات وخبرة في إنشاء منصة إعلامية هي شبكة «برايتبارت» الإخبارية التي استهدفت صراحةً الجمهور القومي على أساس عرقي. وكان بانون نفسه قد صرح في الربيع الماضي قائلاً: «إننا منبر لأقصى اليمين». ومن الطبيعي أن ينفي بانون أن قوميته عنصرية الدوافع. ولكن بوسنر تؤكد أن بانون «أثار موضوعات عنصرية». وذكر أيضاً أحد الأشخاص الذين كانوا يعملون في شبكة «برايتبارت» صراحة أن الشبكة «مكان لتجمع القوميين البيض». وربما يجد ترامب في بانون مجرد شخص يوسع جاذبيته أي الاقتناع بأن التركيز على النهج والأفكار نفسها التي جعلته يكسب ترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات التمهيدية سيوسع نوعاً ما جاذبيته أيضاً في الانتخابات العامة. ثم هناك الإعلان التلفزيوني الأول لترامب في الانتخابات العامة الذي لعب على وتر الخوف بشأن اللاجئين «الإرهابيين» والقطعان السوداء التي تتدفق عبر الحدود الجنوبية. وهذا الإعلان لم يستهدف فيما يبدو تحسين شعبية ترامب بين الناخبين الذين يحتاج إليهم وهم البيض من أصحاب التعليم الجامعي والنساء في ضواحي المدن من غير البيض. وقد كتب الصحفي «أليكس أسينستاد» من مؤسسة «بوليتيكو» الصحفية أن حملة ترامب كانت تعتزم في بداية الأمر بث إعلان عن الاقتصاد كوسيلة للوصول إلى هذه الجماعات من الناخبين، ولكن الاختيار تحول فجأة في اللحظة الأخيرة إلى فكرة الهجرة مما أثار دهشة بعض العاملين في حملة ترامب. وإذا كانت هذه هي المباراة النهائية لترامب فإنه يحقق نجاحاً بالفعل في تكوين جمهور. وقد ذكر الصحفي «ديف ويجيل» من «واشنطن بوست» أن القوميين البيض وشخصيات من أقصى اليمين وجدوا كثيراً مما يروقهم في إعلان ترامب الجديد عن الهجرة ورسالته المتطرفة إجمالاً. وسأل أحد الكتاب البيض القوميين قائلاً: «تخيلوا وسائل إعلام أقرب لشبكة برايتبارت الإخبارية منها إلى نيويورك تايمز... فإن ما ستخبرهم به وسائل الإعلام... هو أن العلاقات بين الأعراق المختلفة خطأ ببساطة». و«هم» هنا في كلمة «شتخبرهم» يعني بها البيض! ومما لا شك فيه أن كل هذا ما زال تكهنات. وأنا أتردد في أن أنسب مخططات كبيرة وبارعة لترامب لأن الحقيقة الأكثر ابتذالاً قد تكون ببساطة أن هذا يحدث مع مضيه في طريقه المعتاد دون تدبير أو تفكير. ولكن هذا الاحتمال يستحق أيضاً أن نحمله على محمل الجد حتى لمجرد استكشاف عواقبه التي لا يمكن توقعها على المدى الأطول. فقد أكد ترامب على أن الانتخابات سيجري «تزويرها» كجزء من مسعى أوسع لنزع المشروعية سلفاً عن رئاسة هيلاري كلينتون إذا فازت. وإذا كان الهدف هو إقناع عدد كبير من أنصار ترامب بأن نتيجة الانتخابات غير مشروعة، فهذا يخلق جمهوراً كبيراً يريد أن يسمع هذه الرسالة أثناء رئاسة كلينتون وهي رسالة قد يقدمها مشروع ترامب الإعلامي الجديد من أجل التسلية والربح. ويستطيع ترامب أيضاً أن يوهم جمهور الإعلام الجديد هذا بأن ما تبقى من وسائل إعلام أخرى يتآمر لإخفاء عدم مشروعية الانتخابات. ومن الصعب أن نتوقع نوع التأثير المدني الأطول أمداً المحتمل لهذا، ولكن الأصعب هو تخيل أن تأثيره سيكون محموداً بأي حال. جريج سارجنت* * كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»