ما أشبه الليلة بالبارحة! في عام 1952، كتب شاعر فرنسي بمناسبة حظر البكيني، وليس البوركيني، في شواطئ فرنسا، أغنية قال فيها: «الناس الطيبون لا يروقهم أن يتبع شخص ما طريقة مختلفة غير التي يتبعونها». ولفرنسا تاريخ طويل في عدم التسامح ضد الآخرين، وهو جزء من تقليد أوروبي راسخ. صحيح أن مجلس الدولة، أعلى محكمة إدارية في فرنسا، أسقط يوم الجمعة الماضي الحظر الذي فرضته مدن ساحلية فرنسية هذا الصيف على البوركيني. لكن المشكلة الأساسية التي أدت إلى هذا الحظر الهزلي للبوركيني لم تنته. لقد استهدفت قرارات حظر البوركيني التي تبنتها 31 مدينة فرنسية أن تكون الشواطئ مناطق محايدة دينياً. وأكدت محكمة إدارية في نيس الإجراء الذي اتخذه رئيس بلدية فيلنيف لوبي، على أساس أن ارتداء البوركيني يؤدي إلى «تفاقم التوترات التي يشعر بها السكان بعد سلسلة من الهجمات الإسلامية في فرنسا.. وأنه بصرف النظر عن الدين أو الاعتقاد محل النظر، فالشواطئ ليس مكاناً مناسباً للاستعراض السافر للاعتقاد الديني»! وأشار قاضي محكمة مجلس الدولة في حكم نقض القرار إلى أنه «لا دليل عُرض عليه يحتمل أن ينتهك السلام وحسن النظام القائم على شواطئ فيلنيف لوبي في ما يتعلق بالملابس التي يرتديها بعض الناس». بعبارة أخرى تريد المحكمة العليا أدلة على أن هناك خطراً على النظام العام ناتج عن ملابس معينة. ومثل هذا الدليل مستحيل. وفي سيسكو بجزيرة كورسيكا كانت هناك نسوة من شمال أفريقيا يستحممن بالزي الذي يغطي الجسم بالكامل، حين اعتقد أزواجهن أن سائحاً حاول تصويرهن، فبدأت مشادة أصيب فيها خمسة أشخاص بجروح. هل كان السبب زي النساء المسلمات أم الأجواء المشحونة في الجانبين؟ إنني أرجح الاحتمال الثاني. معظم رؤساء البلديات الذين فرضوا الحظر ينتمون إلى اليمين. وكما أشار الكاتب توبي هارشو في «بلومبيرج»، فإن البطالة وإحصاءات السجون تُظهر أن المسلمين يجدون صعوبة في الاندماج في المجتمعات الأوروبية. وهذا يخلق رغبة غريزية وسط المحليين والسياسيين الذين يمثلونهم في إجبار المسلمين على الطاعة أو المغادرة. وبعد قرار مجلس الدولة، طالب المدافعون عن حظر البوركيني بقانون يدعم الحظر. وصرح أحد المشرعين الفرنسيين بأنه «إذا قبلنا البوركيني اليوم فسينتهي بنا الحال بقبول الشريعة». وهذه حجة عاطفية لكنها تشير إلى إجابة على السؤال الأساسي المتعلق بنوع الاندماج الذي تريده فرنسا من المسلمين الذين يمثلون 7.5? من السكان. فالسياسيون من الجناح اليميني يريدون اندماجاً تاماً يعيش بموجبه كل شخص في فرنسا بالطريقة نفسها التي تتبعها الأغلبية العرقية! والنهج المقابل يمثله ما تتبعه حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وهو عملي تماماً. وقد نص القانون الذي تبنته ألمانيا مؤخراً بشأن اندماج اللاجئين، على أن «العمل أفضل اندماج». وما دام المسلم يتحدث اللغة ويجد عملاً فهو مندمج. بعض المسلمين ينتهي بهم الحال فعلا إلى التخلي عن ثقافتهم وقبول القيم الغربية بشكل كامل. وآخرون يحاولون الموازنة والبحث عن طريق وسط. ومجموعة صغيرة تختار العيش في عزلة. والنساء اللائي يرتدين البوركيني هن جزء من المجموعة التي تحاول التوفيق بين قضاء وقت على الشاطئ مثل الأوروبيين مع الالتزام بتقاليدهن. والأمر يرجع إلى المجتمعات الأوروبية بشأن إذا ما كانت تريد قبول ودعم بحث المسلمين عن طريقة للتوافق أو دفعهم بعيداً نحو التطرف. ليونيد بيرشيدسكي كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»