يقول وزير الاقتصاد ونائب المستشارة الألمانية سيجمار جابرييل إن المفاوضات حول اتفاقية تجارة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة باءت بالفشل، رغم «أن أحداً لا يعترف بذلك في الواقع». هذا التصريح قد يكون مبالغاً فيه وينبغي التعامل معه ببعض الحذر، غير أنه يبدو أن «شراكة التجارة والاستثمار العابرة للأطلسي» بات محكوما عليها بالفشل فعلا، على الأقل إلى مرحلة ما بعد الانتخابات في الولايات المتحدة وبلدان أوروبية كبرى. وزارة سيجمار لا تشارك في المفاوضات حول «شراكة التجارة والاستثمار العابرة للأطلسي». وهو أيضاً زعيم «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» الألماني، شريك حزب أنجيلا ميركل «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» في الائتلاف الحكومي، لكنه أيضاً يعدُّ أكبر منافسيها السياسيين. ثم إن ألمانيا مقبلة على انتخابات تشريعية العام المقبل، واستطلاعات الرأي تشير إلى تقدم في النقاط لمصلحة «الاتحاد الديمقراطي المسيحي»، على حساب حزب جابرييل. وبالتالي، فإنه من مصلحة نائب المستشارة بدء الموسم السياسي مبكرا ومحاولة تسجيل نقاط عبر تبني مواقف تؤيدها أغلبية الرأي العام. وعلى سبيل المثال، فإن جابرييل يدعو إلى تحديد سقف لعدد اللاجئين الذين تستقبلهم ألمانيا، وهو موقف غير مألوف بالنسبة لسياسي يساري، لكنه موقف يعتبره الجمهور الألماني معقولاً وترفضه ميركل. في الأصل، خطط المسؤولون الأوروبيون والأميركيون لإتمام الاتفاقية بنهاية 2014، غير أن جولات المفاوضات التي عقدت حتى الآن على مدى 14 أسبوعا لم تثمر اتفاقا حول أي من المواضيع الـ27، مثلما أشار إلى ذلك جابرييل على نحو صحيح. والتقرير العام للاتحاد الأوروبي حول المرحلة الأحدث من المفاوضات يعطي الانطباع بأنهم مازالوا في مرحلة البداية إذ مازال الجانبان يتبادلان مقترحات متباعدة جدا حول معظم القضايا الخلافية. ولعل أكثر المواضيع حساسية هي تلك المتعلقة بالتجارة في السلع الزراعية، والمشتريات الحكومية، وحل النزاعات بين الحكومات والمستثمرين. كل هذه المواضيع حُلت بنجاح في اتفاقية التجارة التي تجمع الاتحاد الأوروبي وكندا، المعروفة اختصارا بـ«سيتا»، والتي تحتاج الآن لمصادقة أعضاء بلدان الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي حتى تدخل حيز التنفيذ. وعلى سبيل المثال، فإن المشتريات الحكومية الخاصة بالحكومات المحلية -دون مستوى الحكومة الفدرالية- باتت مفتوحة مع بعض التحفظات، والمطالب الأوروبية حول مصدر المنتجات تمت تلبيتها، وكندا وافقت على استعمال آلية حل النزاعات الجديدة لأوروبا، وهي «نظام محكمة الاستثمار». ومع ذلك، فإن المفاوضات والصياغة القانونية للنص استغرقا وقتا أطول مما كان مخططا له، كما أن البلدان الأوروبية مازالت تستطيع وأد الاتفاقية. في حالة «شراكة التجارة والاستثمار العابرة للأطلسي»، يمكن القول إن المفاوضين الأميركيين لعبوا دوراً سلبياً من البداية بسبب إلحاحهم على قدر كبير من السرية والتكتم حول سير المفاوضات. وأمام هذا الوضع، اضطر الجمهور، المهتم جدا باتفاق يزيل معظم الحواجز التجارية المتبقية مع الولايات المتحدة، للاعتماد على تسريبات جزئية، فازدهر الارتياب والتشكك. واستغل النشطاء المناوئون للتجارة الحرة هذا الأمر لصالحهم. وعلاوة على ذلك، وبينما كانت المفاوضات تتقدم، أخذت الثقة في الاتحاد الأوروبي تضعف وتتآكل شيئاً ما. ومثلما أظهرت دراسة حديثة من «المعهد النمساوي للبحوث الاقتصادية»، فإن تراجع الثقة هذا له علاقة مباشرة بقلة التأييد لـ«شراكة التجارة والاستثمار العابرة للأطلسي». لقد استغرقت المفاوضات وقتاً طويلاً جداً، وأخذت الكثير من الشكوك تحوم حولها في أوروبا، لدرجة أنه لا الحكومة الألمانية ولا الفرنسيون سيرغبون في تقديم تنازلات حقيقية قبل انتخابات العام المقبل. ومن جهتها، لن ترغب الولايات المتحدة في العدول عن مواقفها خلال الجولة المقبلة من المفاوضات المتوقعة خلال الخريف. المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب يعارض الاتفاقية، ومنافسته هيلاري كلينتون حريصة على ألا يُنظر إليها على أنها تدعم اتفاقية يمكن أن تضر بالوظائف الأميركية. ومن جانبها، ستكون إدارة الرئيس باراك أوباما حريصة على عدم إيذاء هيلاري بأي طريقة. أما إن كانت هذه الأخيرة ستصبح أكثر ميلاً لتقديم تنازلات حال فوزها، فذاك أمر غير واضح. بيد أنه إذا لم يُكتب لـ«شراكة التجارة والاستثمار العابرة للأطلسي» النجاح ولم تر النور أبداً، فإن بقية العالم، على الأقل، ستكون مستفيدة: إذ تشير دراسة لمعهد ليبنيز في ألمانيا إلى أن الأخيرة يمكن أن تخسر 0?2? من نصيب الفرد من الناتج المحلي الخام بسبب الاتفاقية. ليونيد بيرشيدسكي محلل سياسي روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»