تفاجأت كغيري من المهتمين بالشأن التربوي في الدولة بحجم الجهد الذي بذلته وزارة التربية والتعليم العالي خلال المرحلة الماضية في تطوير منظومة التعليم في دولة الإمارات..التطوير الذي كانت تشهده مناهج التعليم في السابق هو ما نسميه في علم المناهج بالصيانة، وهي عملية تحديث للمناهج وفق التغيرات والمستجدات بيد أن ما تم الإعلان عنه حديثاً يمثل قفزة جديدة للتعليم في الإمارات، فهناك تطوير متكامل لمناهج رياض الأطفال وسياسة تقييم جديدة لرياض الأطفال تراعي مشاركة الأسر، كما تم دمج مواد التاريخ والجغرافيا والاقتصاد وعلم الاجتماع في مادة واحدة هي الدراسات الاجتماعية والتربية الوطنية. أما منهج الرياضيات فأصبح متوافقاً مع الاختبارات الدولية، كما تم استحداث منهج لعلوم الكمبيوتر والبرمجة بصفتها لغة المستقبل، إضافة إلى منهج متكامل للتربية البدنية والتربية الصحية، ومقررات جديدة في الفنون التطبيقية والبصرية بهدف تطوير النقد والإقناع والبحث والتحليل والربط بين الفنون والتاريخ لدى الطلاب، إضافة إلى منهج متكامل للفنون الموسيقية مع ربط مادة التربية الموسيقية بالتكنولوجيا الرقمية الحديثة. ومن المستجدات في التعليم الإرشاد المهني والتعليمي، النظام الجديد للتعليم يُقسم الطلاب إلى مسار عام ومسار متقدم بدلاً من الأدبي والعلمي إضافة إلى «مسار النخبة»، لتوفير عناية خاصة بالتلاميذ النوابغ في العلوم والرياضيات.. تعليمنا حسب مشروع التطوير بكافة مراحله وبشكل تدريجي سيكون تعليماً ثنائي اللغة، يركز على الهوية الوطنية، ويبني شخصية إماراتية منفتحة ومتسامحة ومواكبة للتطور العلمي والتقني. التطوير التربوي لم يعد ترفاً، بل واجبا وضرورة لمواجهة تحديات العصر، والتي من أهمها تحديات الهوية فكل دول العالم رحبت بالعولمة، لكنها تسعى للحفاظ على هويتها الوطنية، وخاصة فيما يرتبط باللغة الوطنية والأخلاق الخاصة بكل مجتمع، لأن التخلي عن الهوية الوطنية مقدمة للتبعية التي لا نريدها لمجتمعنا.. التحدي الثاني ارتبط بما يعرف بالقرية الإلكترونية التي سهلت فرص الحصول على المعلومة، لكنها في نفس الوقت نسفت حواجز الأخلاق في هذا الشأن.. الأمر الثالث الذي يعد من أهم تحديات التعليم نسميه بالانفجار المعرفي.. فلم تعد المعلومة سجينة بين دفتي الكتاب، لأنها أضحت متجددة بأسرع من أن نتابعها.. سوق العمل هو من أهم تحديات التعليم فكيف نعد التلاميذ لبيئة عمل غير مستقرة ومتغيرة، ومن أخطر تحديات العصر الخلل الروحي الذي أخل بتوازن الشخصية الإنسانية.. فكيف يشبع الجيل القادم الروح بطريقة متوازنة، تضمن لنا وجود الشخصية المتكاملة. لمواجهة ما سبق من تحديات عُقدت الكثير من المؤتمرات الدولية للتفاكر حول مشاريع تطوير مناهج المستقبل، وأكدت في أدبياتها وأبحاثها على أهمية تطوير قدرات التلاميذ للتعامل مع المعلومات، وتزويدهم بمهارات التفكير المختلفة وفنون التواصل بفعالية وفهم البيئة البشرية، إضافة إلى امتلاك الكفاءات الشخصية التي تقودنا للنجاح. التطوير الذي تم الإعلان عنه مؤخراً يرنو للتعامل مع كل ما سبق من تحديات.. وكلي ثقة في أن وزارة التربية والتعليم العالي وضعت في خططها برامج لتثقيف المجتمع المحلي بمتطلبات التغيير.. إضافة إلى برامج مستمرة لتطوير أداء المعلمين وفق كل ما تم الإعلان عنه. فمناهج مطورة تغفل المعلم هي في حقيقتها عرجاء، ولن تحقق المراد منها، كما أن منظومة تطوير المناهج لا تقف عند حد بناء المقررات الدراسية، بل لابد من تطوير استراتيجيات تدريس مناسبة، إضافة لنظام تقويم يبعدنا عن اختبار الذاكرة قصيرة المدى إلى فحص أثر المعلومة في فكر وحياة المتعلم.. وزارة التربية والتعليم بحاجة إلى من يدعمها في المرحلة القادمة، كي تنجح في مهمتها التي لخصها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بقوله «التعليم أمانة».