كثيرون يعدّون الكراهية عكس المحبة، فيما آخرون يعتقدون أن وجودها ضروري في حياة البشر، على الأقل، ليميزوا بها المحبة ولذائذها. واضح أن كلاما كهذا ليس علمياً لكنه في الوقت ذاته قد يحمل شيئا من المنطق، ذلك وفقا لما يجري تداوله من أثر بين الناس صار مع الوقت أشبه بالمعادلة كي نعرف الأسود، لا بد لنا من أن نعرف الأبيض. سؤالنا: ألا يمكن أن تكون هذه «المعادلة» خطأ؟ لن يرَ المرءُ السوي نفسه يوماً موافقاً على ضرورة الكراهية في حياتنا لنميز بها المحبة، من دون الكراهية يمكن لنا معرفة المحبة ونتنعم لذّاتها بصورة أجمل. من نافلة القول إن الإنسان ولد محباً ومن ثمَ تعرّف الكراهية. المحبة أصلٌ في الإنسان بينما الكراهية شيء مكتسب، وبهذا المعنى تكون المحبة داخلية، أما الكراهية فخارج ذات الإنسان، لقد وجدها بعد سن الرشد تنتظره في مناكب سعيه حيث توجه، فجرى «تلقينه» بها ترهيباً تارة وترغيباً تارة أخرى حتى تعرَّفها وتشرَّبها فحولته إلى كائن كارهٍ لكل شيء، وليس غريباً أن يأتي أحد أبرز تعريفات الكراهية ليقول لنا إن «الكراهية تُدمر الكاره والمكروه معا». إن أراد البعض منا تقديم تعريف مبسط للكراهية ترى ما الذي بوسعه قوله؟: الكراهية هي ألا تحب مثلا، أم الكراهية أن تتخلص ممن تكره بإزهاق روحه؟. تعريفات الكراهية عديدة مرعبة ومختلفة من زمن إلى آخر ومن ثقافة إلى ثقافة. إن جولة عميقه في الموروث البشري للأمم والشعوب كافيةٌ لجعل المرء يقف على تاريخ الكراهية ومنابعها ومغذياتها وحواضنها، وأدبياتها التي رسختها في النفس البشرية المضطربة، وضمنت لها استمرارها حتى عصرنا الحالي، الغارق حتى أذنيه في نتائجها الكارثية. السياسة حينما تمارس بصورة خاطئة تؤدي إلى الكراهية، المعتقدات الدينية حينما تمارس بصورة خاطئة مبالغ فيها تفضي هي الأخرى إلى الكراهية. هنالك مسؤولية بالغة الأهمية تقع على رجل السياسة وعالم الدين زائد المثقف، ليس في المنطقة العربية فقط بل في العالم كله. رجل السياسة وعالم الدين السويان قد يشكلان جناحا المنجاة المنتظرة من خراب بشع لا يراد له التوقف.. يراد له أن يستمر ليطول مستقبل أبنائنا. لعل هذا ما دفع دولة الإمارات العربية المتحدة العام الماضي إلى إصدار «قانون مكافحة العنصرية وازدراء الأديان وخطاب الكراهية». لتكون الدولة الأولى على مستوى العالم العربي وحتى الإقليمي تصدر قانوناً جريئاً كهذا القانون، وتضعه في دائرة التنفيذ. الكراهية ليس لها مبررات علمية ولا يسعد بها عاقل على الإطلاق، إلا إذا صدَّقنا أن إنساناً سوياً وسليماً بدنياً «يسعد» أن يكون مريضاً طريح الفراش. لقد قامت الكراهية في الأساس على مرويات وسرديات أشبه ما تكون بالخرافات والأساطير، شاعت في المجتمعات البشرية كلها منذ البدائية الأولى وحتى الآن. جرى توظيفها واستثمارها عبر مراحل التاريخ البشري في مجالات ومقاصد مختلفة، شملت في ما شملت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأنظمة الحكم. بل لقد جرى توظيف الخرافات والأساطير في صناعة القيم والثقافة والتاريخ. الأمثلة على ذلك تزخر بها حياتنا القديمة والمعاصرة، وللدلالة على ما يمكن أن تصنعه الخرافات والأساطير، كراهية الأبيض للأسود، والمسلم لليهودي، واليهودي للمسيحي، والبوذي للمسلم، والشمالي للجنوبي، والغربي للشرقي.. وهكذا دواليك. قصة لن تنتهي حلقاتها إلا بالقضاء على مثلث «الأمية والتخلف والمرض» بالعلم وثقافة التنوير والفنون والتنمية المستدامة. خذ المحبة وتنعّم ودع عنك الكراهية فهي مرض عضال.