ليس هناك شيء مثل أمور المحاربين القدماء، يمكن أن يسبب شيئاً من الارتباك للسياسيين. يرجع ذلك- جزئياً- لشعور هؤلاء السياسيين بالذنب، فمعظم المرشحين لمنصب الرئيس، يدينون بالفضل للمحاربين القدماء، بسبب الخدمة التي قدموها للوطن، ويشعرون بنوع من عدم الارتياح، إذا لم يكونوا هم قد قدموا مثل هذه الخدمة. والجزء الثاني من العبارة لا ينطبق على دونالد ترامب الذي أكد أنه «قدم الكثير من التضحيات» لبلده خلال معركته مع والدي بطل عسكري قتل في ميدان المعركة. أما هيلاري كلينتون، فقد حكت في مناسبة ما قصة عن ذهابها ذات مرة للتسجيل في مركز تجنيد تابع للمارينز، عندما كانت في الـ 26، أو الـ27 من عمرها، وكيف أن طلبها لم يقبل لأنها كانت قد تجاوزت السن المحددة. كان ذلك عندما كانت تدرّس القانون في أركنسو، وعلى وشك الزواج من بيل كلينتون، ولم توضح هيلاري أبداً، ماذا كان في ذهنها، عندما تقدمت إلى ذلك المركز. ومع أن القصة غريبة في حد ذاتها، لكن ليس هناك إشارة واحدة على أن هيلاري قد خرجت من ذلك المركز، وهي تشعر بأنها قد قدمت تضحيات لبلدها. وفي حين أن الخطط الخاصة بمحاربة تنظيم الدولة«داعش» هي الجزء الأكثر إثارة في السجال العسكري الدائر حالياً، إلا أن واحداً من أكثر الأسئلة إثارة للاهتمام، التي نواجهها في الوقت الراهن، هو ذلك المتعلق بماذا يتعين علينا عمله بشأن الرعاية الصحية للمحاربين القدماء. جميع الأشخاص- تقريباً- الذين سُرحوا من الخدمة بتقدير مشرف، يمكنهم التسجيل في برنامج الرعاية الصحية للمحاربين القدماء الذي يتضمن استقطاعات زهيدة، ومزايا سخية في صرف الأدوية. بيد أن المشكلة المتعلقة بهذا البرنامج أن فواتيره آخذة في الارتفاع. فبرنامج الرعاية الطبية الذي توفره الإدارة الصحية للمتقاعدين، كلف الخزينة الأميركية 42 مليار دولار العام 2010، ومن المنتظر أن ترتفع التكلفة في العام الحالي لتتجاوز 65 مليار دولار. وعلى الرغم من الشهرة المستحقة التي تحظى بها الإدارة في رعاية المصابين بدنياً، أو الذين يعانون مشكلات عقلية ونفسية، يلاحظ أن مواردها تميل بشكل حثيث للعناية بكبار السن، فمتوسط عمر المستفيدين من الرعاية من بين المحاربين القدماء البالغ عددهم 9 ملايين يبلغ 65 عاماً. يضاف لذلك أن الجميع قد سمعوا أن هناك صفوف انتظار طويلة للراغبين في الاستفادة من خدمات هذا البرنامج. وقد قدم ترامب وهيلاري وعوداً بحل الكثير من تلك المشكلات، من خلال التخلص من «الهدر» و«الغش» و«سوء الاستخدام». وترامب(سوف تصعق عندما تسمع أنه يخطط لجعل إدارة المتقاعدين عظيمة مرة أخرى) يقول إنه سيعمل على حل المشكلة عن طريق فصل المسؤولين التنفيذيين الفاسدين، وغير الأكفاء، ولكن مفهوم الفصل يعتبر واحداً من المفاهيم التي تبدو عظيمة نظرياً ولكنها لا تنجح في العالم الحقيقي، كما أثبتت تجارب عديدة سابقة. بخلاف الحرب على الهدر، والغش، وإساءة الاستخدام، والأعمال الفنية الباهظة التكلفة التي تزين جنبات الإدارة، مضى ترامب وكلينتون في اتجاهين مختلفين. فهيلاري تريد من إدارة المحاربين القدماء، التوصل إلى نظام رعاية صحية يتم فيه وضح خطط لبرامج رعاية صحية فردية خاصة بكل محارب على حدة، ولامانع لديها من استخدام موارد القطاع الخاص إذا كانت ملائمة. أما ترامب، فيريد منح المحاربين القدماء البالغ عددهم 9 ملايين، بطاقات تسمح لهم بالذهاب لأي طبيب أو مستشفى يعالج مرضى برنامج الرعاية الطبية «ميدي كير». الحل الذي يقترحه ترامب، يحظى بقبول كبير من جانب الجناح اليميني، على الرغم من أن رد الفعل الأولى لملايين المحاربين القدماء الذين لم ينضموا إلى برنامج إدارة المتقاعدين القدماء، سيكون على الأرجح هو الإسراع للتسجيل على الفور، وهو ما سيتسبب في دفع النظام بأكمله إلى حافة هاوية مالية. أما هيلاري، فهي تكره«خصخصة إدارة المحاربين القدماء». وفي وقت تبدو الفكرة وكأنها تمثل خياراً جيداً، يجب أن نضع في اعتبارنا أن في حال فقد برنامج حكومي كبير كل زبائنه الأكثر فاعلية وتطلباً، فإن البرنامج يمكن أن ينتهي به الحال، إلى مجرد برنامج محدود يعالج الأكثر يأساً واحتياجا فقط، خصوصاً مع تضاؤل الضغط السياسي اللازم لدفع الفواتير اللازمة لتمويله . جيل كولينز* *كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»