خاض دونالد ترامب حملة انتخابية ناجحة على مدى اثني عشر شهراً حتى أصبح المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري. وألحق ترامب الهزيمة بخمسة عشر مرشحاً آخرين من بينهم بضعة سياسيين محنكين وآخرين حظوا بدعم مالي قوي. وانتصار ترامب كان لافتاً للانتباه لأنه لم يترشح لمنصب سياسي من قبل ولم يعمل في الحكومة على أي مستوى، لكنه تفوق على أعضاء من مجلس الشيوخ الأميركي وعلى حكام ولايات سابقين وعلى أشخاص لهم سجل طويل من العمل في الحياة العامة. لكن انتصار ترامب كان لافتاً للانتباه أيضاً لأنه أحرزه دون أن يقدم أي نقاط محددة فعلياً في السياسة الداخلية أو الخارجية قد يلتزم بها إذا انتُخب رئيساً. فقد ألقى ترامب عدة خطب وأثار إعجاب كثيرين من الأنصار بتقديم تصريحات عامة ومبهمة لم تكشف كثيراً عن السياسة التي يؤيدها. وقال مراراً: «سوف أجعل أميركا عظيمة مرة أخرى!»، وارتدى قبعة كتب عليها هذا الشعار، لكنه نادراً ما أوضح كيف سيفعل هذا. وأعلن ترامب مراراً أنه سيوقف الهجرة القادمة من المكسيك ببناء «جدار كبير جميل»، وأنه سيجعل «المكسيك تدفع كلفته». لكنه لم يوضح كيفية إقناع المكسيك بدفع الكلفة. وفي زيارته القصيرة للمكسيك مؤخراً التقى ترامب مع الرئيس المكسيكي الذي أعلن في ما بعد أنه أخبر المرشح الجمهوري بأن بلاده لن تدفع كلفة أي جدار تبنيه الولايات المتحدة. وهذا ما جعل الناس في حيرة حين كرر ترامب أن المكسيك ستغطي كلفة بناء الجدار. وصرح ترامب عدة مرات بأن لديه خطة لإلحاق الهزيمة بـ«داعش» وبأنه سيحقق هذا في فترة قصيرة للغاية. وحين سأله صحفيون عن تفاصيل خطته، كانت إجابته دوماً إنه لا يريد الكشف عن الخطة مقدماً لأن هذا يصب في صالح العدو. وتشكك كثيرون في أن ترامب لديه خطة أصلاً، وعلقت منافسته هيلاري كلينتون على تصريحاته بالقول: «سر ما يطلق عليه الخطة السرية هو أنه لا توجد خطة». وفي مقابلة تليفزيونية في الأيام القليلة الماضية شاهدها ملايين الأميركيين، سئل ترامب عن وجهة نظره بشأن التعامل مع «داعش»، فأجاب بالقول إن إدارة أوباما فشلت في القضاء على «داعش»، لأنه «كان يجب أن نأخذ النفط» حتى تُحرم «داعش» من الحصول على عائدات النفط. لكنه لم يوضح كيف كان يمكن أن تأخذ الولايات المتحدة النفط. هل يتحدث عن احتلال أميركي دائم لبلد أجنبي؟ لم يوضح هذا. بل عبر ببساطة عن فكرة «أخذ النفط» دون توضيح أو دون حتى الالتفات إلى أن العراق وسوريا لهما الحق السيادي في السيطرة على مواردهما الطبيعية. وفي هذه المقابلة التليفزيونية نفسها سئل ترامب عن زعمه السابق بأنه أكثر قدرة من الجيش الأميركي على التعامل مع أزمات الشرق الأوسط، فأكد فكرته السابقة بأن كبار القادة العسكريين الأميركيين فشلوا في إلحاق الهزيمة بـ«داعش». لكنه لم يوضح ثانية ما الذي فعلوه ويعتبره استراتيجية أو تكتيكات فاشلة. وأخرج من جيبه قائمة بها أسماء أكثر من 80 ضابطاً متقاعداً يؤيدونه علناً. وأكد أن هذا دليل على أن نهجه صحيح في إدارة الشؤون العسكرية، لكنه لم يحدد هذا النهج. بل اكتفى بالقول إنه سيحل بعض القادة المتقاعدين الذين يؤيدونه محل القادة العسكريين الحاليين. وحين سئل ترامب عن أول إفادة استخباراتية حصل عليها من المسؤولين الاستخباراتيين الكبار، باعتباره مرشحاً رئاسياً عن الحزب الجمهوري، أدلى بتعليق غريب. فقد أعلن أنه يستطيع من خلال قراءة «لغة الجسد» للأشخاص الذين قدموا له الإفادة أن يقول إن سياسات الرئيس أوباما لا تروقهم للغاية. وأكد قائلاً: «إنني أجيد حقاً قراءة لغة الجسد». لكنه لم يحدد السياسة التي لا تروق مَن قدم له الإفادة. وهذه التصريحات من ترامب معتادة من المرشح الجمهوري للرئاسة. فهو يدلي بعبارات قصيرة عامة دون تفصيل ما يقصده. وهذا مقصود في ما يبدو، لخلق رد فعل إيجابي عند المتلقي تجاه ما يقوله دون أن يُلزم نفسه بأي نقاط محددة. وفي أحيان قليلة فحسب مثل حين نفى الرئيس المكسيكي أن بلاده ستغطي كلفة بناء جدار بين البلدين أصبح ترامب متناقضاً بشكل واضح، لكن حتى هذه المرة جنح أنصاره إلى تجاهل مثل هذه المعلومات. ويعزز ترامب الدعم الذي يحظى به من الأشخاص الذين يحبونه باستخدام شعارات بسيطة تحقيرية لخصومه. فقد وصف منافسته بأنها «هيلاري الكاذبة» دون أن يحدد أكاذيبها. لكن يبدو أنه يعتقد أنه إذا كرر الاتهام مرات كثيرة دون تقديم أدلة أو تفاصيل فإنه سيلتصق بها. لم يتبقَّ على الانتخابات الرئاسية إلا شهران. وحتى موعد الانتخابات سيدلي ترامب بمزيد من التصريحات المسطحة ولن يدعمها بتفاصيل أو أدلة. ونأمل أن يساعدنا الصحفيون المستقلون الذين يجرون مقابلات معه ومن يديرون المناظرات المقبلة بينه وبين هيلاري، في فهم سياسات ترامب إذا انتُخب رئيساً. وهذا مهم لأن تقدم المنافسة الديمقراطية في استطلاعات الرأي يتقلص وخطر احتمال فوز ترامب يلوح في الأفق.