تستقطب صحة مرشحي الرئاسة الأميركية الحاليين، «هيلاري كلينتون» و«دونالد ترامب»، اهتماماً وتغطية إعلامية واسعة، على خلفية حقيقة أنه إذا ما فاز ترامب بالانتخابات، فسيصبح أكبر الرؤساء الأميركيين عمراً على الإطلاق -سبعون عاماً وستة أشهر يوم التنصيب- وإذا فازت كلينتون، بخلاف كونها ستصبح أول امرأة تتولى رئاسة الولايات المتحدة، فستصبح أيضاً ثاني أكبر الرؤساء الأميركيين عمراً -تسعة وستون عاماً وشهران يوم التنصيب- وذلك بعد الرئيس الأميركي السابق «رونالد ريجان» الذي تولى هذا المنصب نفسه في عام 1981 قبل بلوغه السبعين بأيام. وبلغ هذا الاهتمام الإعلامي والشعبي ذروته وأقصى مداه بعد تعرض «هيلاري كلينتون» لوعكة صحية بداية الأسبوع الماضي، أثناء مراسم إحياء ذكرى الهجوم الإرهابي في الحادي عشر من سبتمبر، مما اضطرها لمغادرة المراسم على عجل بخطوات مترنحة، متكئة على أذرع وأكتاف مساعديها، وباقي أفراد طاقم الأمن الخاص بها. وما تعرضت له كلينتون، واضطرت معه للمغادرة بهذه الصورة، كان عبارة عن نوع من الالتهاب الرئوي الحاد، وإن كان غير الخطير. وينتج الالتهاب الرئوي من عدوى طفيلية أو جرثومية بالبكتيريا أو الفيروسات أو الفطريات، مما يؤدي إلى التهاب الحويصلات الهوائية وامتلائها بالسوائل، وإن كان أحياناً ما يحدث الالتهاب الرئوي نتيجة أسباب غير جرثومية. وتظهر أعراض الالتهاب الرئوي في شكل حمى، وسعال شديد، أحياناً مع مخاط، وآلام في الصدر، وإحساس بالإرهاق، ورعشة، وقصور وصعوبة التنفس. ويمكن لأي شخص أن يتعرض للالتهاب الرئوي، وإن كان المدخنون، وكبار السن، والمرضى بمرض مزمن في الرئة، هم الأكثر عرضة للإصابة. ومن المنظور الطبي، يعتبر الالتهاب الرئوي من الأمراض واسعة الانتشار، كونه يصيب سنوياً نحو 450 مليون شخص، ويؤدي إلى وفاة 4 ملايين منهم كل عام. هذا الرقم على ضخامته، يعتبر جزءاً بسيطاً من الوفيات التي كان يتسبب فيها الالتهاب الرئوي عبر مراحل التاريخ البشري المختلفة. لكن عدد الوفيات الناتج عن الالتهاب الرئوي، قد انخفض بشكل هائل مع بدء استخدام التطعيمات الطبية والمضادات الحيوية منذ بدايات القرن العشرين. وإن كان الالتهاب الرئوي لا يزال أيضاً سبباً رئيسياً للوفيات في الدول النامية والفقيرة، وبين الطاعنين في السن، والأطفال الرضع وصغار السن، وباقي المرضى المصابين بأمراض مزمنة. وتتباين وتختلف شدة الالتهاب الرئوي، وما قد ينتج عنها من مضاعفات أو وفاة، بشكل كبير بين مريض وآخر، ولذا يوظف الأطباء ما يعرف بمؤشر شدة الالتهاب الرئوي (PSI) لتقييم خطورة الحالة وتبعاتها. ويعتبر ارتباط الالتهاب الرئوي بالعمر، وخصوصاً معدلاته المرتفعة بين كبار السن، من الأسباب التى ساهمت في إشعال وطيس التراشق السياسي والجدل الدائر حول صحة المرشحين الأميركيين الحاليين - وخصوصاً هيلاري كلينتون- وقدرة كل منهما على قيادة القوى العظمى الوحيدة حالياً، وقيادة العالم الغربي برمته. وهذا التراشق والجدل، تجسد ونتج عنه نشر كلا المرشحين لسجلاتهما الطبية. فبداية، قامت هيلاري كلينتون بنشر رسالة من صفحتين من طبيبتها الخاصة، وصفت فيها التاريخ الطبي للمرشحة الرئاسية بشكل مفصل نسبياً، بما في ذلك إصابتها بكسل في الغدة الدرقية، ونوبة إغماء سقطت معها وتعرضت بسببها لارتجاج في المخ، بالإضافة إلى إصابتها بعدد من الجلطات الدموية. وأظهرت الرسالة أن هيلاري كلينتون تتلقى العلاج بالعقاقير والأدوية الطبية المضادة والمانعة لتجلط الدم، كإجراء احتياطي، كما أنها تتبع نمطاً غذائياً صحياً بشكل كامل. لكن كلينتون لا زالت ترفض حتى الآن، نشر جميع تفاصيل سجلاتها وتاريخها الطبي كاملًا. وعلى المنوال نفسه، وإن كان بشكل أكثر اختصاراً إلى حد كبير، نشر دونالد ترامب رسالة «موجزة» من طبيبه الخاص -مجرد أربع فقرات- شهد فيها الطبيب بأن «صحته ممتازة بشكل مذهل، مما سيجعله من أفضل من انتخبوا لرئاسة الولايات المتحدة، صحة وعافية!». وأظهرت الرسالة القصيرة أيضاً، مستوى ضغط الدم لدى ترامب، وخسارته لنحو 7 كيلوجرامات، ولاحقاً اعترف المرشح الرئاسي بأن الوجبات السريعة تشكل جزءاً كبيراً من غذائه اليومي، وأنه بحاجة لخسارة المزيد من الوزن. ولا تكتسي الحالة الصحية للرئيس القادم للولايات المتحدة أهمية على الصعيد المحلي الوطني الأميركي فقط، وإنما أيضاً على الصعيد العالمي، كونه سيصبح رئيساً لأكبر اقتصادات العالم، وأقواها عسكرياً أيضاً، في وقت تتراكم فيه التحديات العالمية، اقتصادياً، وسياسياً، وبيئياً، وعسكرياً. وعلى رغم أن الصحة النفسية، أو العقلية، لهذين المرشحين لم تكن محل تراشق وجدال حتى الآن، فإنها قد تكتسي أهمية أكبر من الصحة البدنية على صعيد التاريخ البشري، في ظل كون الرئيس الأميركي هو القائد الأعلى لجيش يمتلك قرابة السبعة آلاف رأس نووي، ضمن ترسانة مدججة ومجهزة إلى أبعد الحدود.