من دون مقدمات أزعم بأن الأغلبية العظمي من اليهود والمسيحيين من غير العرب والأقباط وأقليات مختلفة مسيحية في الشرق الأوسط يؤمنون تماماً بأن القدس مدينة يهودية والعرب هم المغتصبون وهم المعتدون على الحق التاريخي للإسرائيليين في القدس وكافة الأراضي على الجانب الفلسطيني والإسرائيلي. وهذه هي الحقيقة المجردة كما أراها، بغض النظر عن القلة القليلة في العالم المسيحي، والتي تقف مع خيار الدولتين. وأما بالنسبة للمسيحيين التقليديين في الغرب وغيره من مناطق الأغلبية المسيحية، فهم لا يتمنون أن يسيطر العرب والمسلمون على الأراضي التي تعد مقدسة لهم، هم كذلك، ويرون أن الأراضي المحتلة في ظل الدولة العبرية في مأمن، وهو ما يكفل حرية العبادة والحج للأماكن المقدسة، بل العيش والاستيطان فليس الصهاينة وحدهم من يشجعون الاستيطان، فهناك جماعات دينية وأفراد مسيحيون كثيرون يرغبون بالهجرة والعيش في الأراضي التي ولد ومات ودفن فيها سيدنا عيسى في معتقداتهم. ولا تتوقعوا اليوم أو غداً أو بعد ألف سنة أن تتغير الرؤية والاعتقاد من جانب أي طرف في الصراع في ما يخص تلك البقعة من الأرض. فقد مرت عقود، واستراتيجيات استرجاع الأراضي المحتلة كانت ولا تزال بدائية للغاية وتخطيط لا يخرج بخطط قابلة للتطبيق، ولم يتحقق التمكين الفلسطيني، ولم ينجح أي مشروع سياسي تنموي للتعايش السلمي وصراع بين طرف يقتل ويستوطن ويشرد ويمنع أي تقدم وازدهار وطرف آخر يبني جماعات منقسمة على نفسها ولها توجهات خاصة، ولا تحظى بإجماع الشارع الفلسطيني، بل ساهمت في فرقته وزرع بذور الشتات الوطني في ما قيادتها تنعم برغد العيش، وتنادي الموت لإسرائيل خلف مكاتبها الضخمة، بينما الشعب الأعزل تُنتهك كرامته ويُهدر دمه أو يموت من الجوع والحصار ورمزية مثالية لا تعيد أرضاً محتلة وحقوقاً مسلوبة. ومن جهتها تقوم العصابات اليهودية الإرهابية العديدة تحت مختلف المسميات برفض التعايش السلمي، وتعمل على تخريب كل خطوة سلام تنوي الحكومة الإسرائيلية القيام بها وتعبئة الشارع الإسرائيلي ضد الحكومة، وذلك على غرار عصابة «لفتا» وهو تنظيم يهودي متطرف، خطط لتفجير المسجد الأقصى في يناير 1984. وهناك العديد من الحركات الإرهابية كحركة «كاخ» الإرهابية، حيث قام أربعة منهم بإنشاء مجموعة انتقامية وقاموا بإلقاء قنبلة على سوق القصابين في البلدة القديمة بالقدس، أسفرت عن استشهاد فلسطيني وجرح آخرين في التسعينيات وحكم القضاء الإسرائيلي بسجنهم لفترة تتراوح بين 5 و15 عاماً، وخرجوا لاحقاً بعفو من الرئيس الصهيوني «عيزرا وايزمان»، وهناك تنظيم «إحياء الهيكل»، وهي الجماعة اليهودية الأكثر تطرفاً، وتسعى لضم الجماعات اليهودية المهتمة بهدم الأقصى «كجبل الهيكل» و«أمناء الهيكل» في جماعة واحدة، وجماعة «جبل الهيكل» تلك تسعى إلى تهويد منطقة المسجد الأقصى، ولها فرع في الولايات المتحدة الأميركية يمولها من خلاله مسيحيون متطرفون من كاليفورنيا. ومن الجماعات الأخرى، جماعة «شوفوبانيم»، وهي إحدى جماعات المستوطنين الداعية للاستيلاء على الأراضي العربية وجماعة «ييشع»، حيث يكمن نشاط الجماعة في تعبئة المعارضة السياسية لاستباق أية تسوية سلمية بين الصهاينة والفلسطينيين والعرب وجماعة «كاخ»، وهي من أشهر الجماعات اليهودية المعنية بهدم الأقصى وجماعة «إعادة التاج» مجموعة عنيفة من الشباب المتعصبين، ويخططون للاستيلاء على بيوت ومبانٍ عدة في القدس بدعوى أنها كانت يوماً ملكاً لليهود، وهناك التنظيم اليهودي المقاتل «آيال»، الذي يعتبر من أبرز معاقل التطرف الصهيوني، وأهم مصدر له وغيره جماعات عديدة كجماعة «أبناء يهودا» وجماعة «إسرائيل الفتاة»..إلخ. والجماعات إلى تدعو لهدم الأقصى فقط تقارب 23 مجموعة ويقابلها جماعات مسيحية منتشرة في كل أنحاء العالم، وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية وتدعى الجماعات المسيحية المتصهينة أو جماعات «الأصولية الإنجيلية»، وهي تملك أموالاً طائلة وتسيطر على الكثير من وسائل الإعلام وتقوم بحملات دعائية طويلة الأمد لجعل العالم يتعاطف مع إسرائيل، وتسعى لهدم الأقصى وإعادة بناء هيكل سليمان الثالث على أنقاض الأقصى، والمهم هنا أنها جهود منظمة وتمويل خيالي، وفي الجانب الآخر يسود التخبط وسوء التخطيط وإهدار الموارد وجهود متناثرة ومتفرقة وغياب الرؤية المشتركة والقيادة الموحدة، وكل فصيل فلسطيني، يبدو وكأن القضية تحولت بالنسبة له كمهنة بيروقراطية، ويعتقد بأنه يشتغل لحساب جهات خارجية معينة، فكيف يُسيّر الُمسيّر قضيته! مسيرة الكفاح الفلسطيني إلى أين؟