ربما لا تسترعي التقارير السنوية لمكتب الإحصاء الحكومي حول المداخيل ومستوى الفقر والتأمين الصحي التي أنتظرها بصبر نافد، اهتمام أحد من المولعين بالأرقام كما هي حالتي أنا. إلا أن التقارير التي صدرت مؤخراً عن عام 2015 يمكنها أن تكون أساساً للتوقعات فيما يتعلق بالفترة المقبلة. وكنا نتوقع دائماً سماع الأخبار الطيبة، إلا أن العام الماضي انقضى ليبدو وضع الاقتصاد مثلما كان عليه في عام 1999. ويقودنا هذا الاستنتاج إلى حقائق مهمة جداً مفادها أن الحكومة كانت تتمنى أن تجعل حال المجتمع الأميركي أكثر تمثيلاً للعدالة والإنصاف، وأن تنجح في تحسين مستوى معيشة العائلات متوسطة الدخل والفقيرة. وقد أظهر التقرير تحقيق تقدم على ثلاث جبهات هي: النمو السريع في مداخيل العائلات العادية، وارتفاع متوسط المدخول بنسبة قياسية، بلغت 5,2 في المئة، وارتفاعاً إضافياً ومهماً في أعداد المشمولين بنظام التأمين الصحي بعد الإنجازات التي تحققت في هذه المجالات عام 2014. وهو تطور لم نشهد مثله منذ عام 1999 في هذه الملفات بالذات. وإن لمن الصواب القول إن الارتفاع الكبير في متوسط الدخل يأتي في أعقاب سنوات عجاف مخيّبة للآمال. وحتى الآن، بقي دخل العائلة النموذجية المحسوب بأخذ عامل التضخم بعين الاعتبار، أقل بقليل مما كان عليه قبل الأزمة المالية لعام 2008، إلا أن نسبة الأميركيين غير المشمولين بنظام الرعاية الصحية انخفض الآن إلى مستواه القياسي، وأمكن لاقتصاد أوباما أن يدحض كل الافتراءات السلبية المنسوبة إلى عهده. ودعونا الآن نعيد تقليب أوراق الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2012. فقد كانت هناك مؤشرات توحي بنظرية المؤامرة، وبتبني سياسات تقوم على التعصب الأعمى في ذلك العام. وكان دونالد ترامب يصيح بأعلى صوته بأن شهادة ميلاد أوباما مزوّرة، ولم يتردد ميت رومني (منافس أوباما) عن التقاط إشارة ترامب والتمسك بها، باعتبارها إحدى الأوراق الرابحة. وكان هناك أيضاً شيء من الجدل حول هذه السياسة. فقد عمد «الجمهوريون» إلى اتهام أوباما بأنه رجل يسعى إلى إعادة توزيع الثروات من خلال السحب من أموال «مبتدعي الوظائف» وتوزيعها على نسبة 47 في المئة من ذوي الدخل المحدود. وقالوا إن من شأن هذه السياسات ذات الطابع الاجتماعي أن تدمّر الحوافز التنموية، وتقوّض أسس التعافي الاقتصادي برمتها. وهناك «ذرّة» من الحقيقة فيما يتعلق بالشق الأول من هذا الاتهام. فعلى رغم أن أوباما ليس رجل السياسات الاجتماعية بالمعنى الدقيق، إلا أنه سعى منذ بداية ولايته الثانية إلى زيادة الضرائب على المداخيل المرتفعة. وفي الحقيقة، فإن نسبة 1 في المئة من ذوي المداخيل الأعلى في الولايات المتحدة يدفعون الآن الضرائب ذاتها التي كانوا يدفعونها للخزينة الفيدرالية عام 1979، قبل أن يبدأ رونالد ريجان عهد الاقتطاعات الضريبية المرتفعة من الأغنياء. وكان يتم تجيير بعض المداخيل الضريبية الجديدة لمصلحة زيادة قدرة العائلات ذات المداخيل المتوسطة والمنخفضة على المشاركة في نظام التأمين الصحي. وتوقع «المحافظون» من كبار نشطاء الحزب الجمهوري أن تؤدي هذه الحوافز إلى كارثة. وقالوا إن رفع نسبة الضرائب المفروضة على الأغنياء من شأنه أن يعطل النمو الاقتصادي ويصيبه بالشلل. وأشاروا أيضاً إلى أن الإجراءات والقوانين التي تهدف إلى دعم نظام «أوباماكير» للتأمين الصحي، ستؤدي إلى إلغاء ملايين مناصب العمل من دون أن تزيد من عدد الأميركيين المشمولين بنظام التأمين الصحي ذاته. أما الشيء الذي حدث خلافاً لما توقعه «المحافظون» بعد إعادة انتخاب أوباما، فهو الذي تجسّد في تحقيق أعلى نمو في معدل التوظيف منذ أعوام عقد التسعينيات. إلا أن مؤشر المداخيل العائلية (وفقاً لتقارير مكتب الإحصاء)، واصل تراجعه. وكانت هناك بعض الأرقام الإحصائية التي تصبّ في مصلحة أوباما إلا أن الإغفال كان مصيرها. وربما تتساءل الآن عما إذا كانت هذه الأرقام تعكس الحقيقة، أم أنها مجرد هذر. وغالباً ما يقال ويتردد أن الأميركيين لا يستشعرون حتى الآن وجود أي مؤشرات للتعافي الاقتصادي. وحيثما تسأل ترامب حول أي قضية، فإنه لا يتردد للحظة واحدة في الزعم بأن أرقام المكتب الإحصائي، شأنها في ذلك شأن كل الأرقام الإحصائية التي لا يؤمن بها أبداً، «مطبوخة» ومعدّة سلفاً في أروقة البيت الأبيض. ولكنني أنصحك بالحذر عند متابعة هذا الموضوع. فعندما سئل الأميركيون عن الأداء الاقتصادي، آثر العديد منهم ترديد ما قالته قناة «فوكس نيوز» من أن نسبة كبيرة من «الجمهوريين» يعتقدون أن معدل البطالة في حالة ارتفاع، وأن أسواق الأسهم واصلت انخفاضها في عهد أوباما. إلا أن هذا الزعم مجافٍ تماماً للحقيقة. ومن جهة ثانية، عندما تسأل الناس عن أحوالهم، فإنهم يجيبونك بأن سنوات أوباما رافقها تطور كبير في كل المجالات، وتميزت بزيادة كبيرة في نسبة الأميركيين الذين ينتابهم الشعور بأنهم في حالة نادرة من حالات الرفاه والازدهار. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»