المساعي المستترة للكرملين للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهي قضية سيكون لها تأثير بعيد المدى على أمن بلادنا، تبقى من أقل الموضوعات التي حظيت بتغطية صحفية. وقد ذكرت تقارير أن وكالات الاستخبارات وتنفيذ القانون الأميركية تحقق في هذه العملية الروسية واسعة النطاق في الولايات المتحدة، وهذا مطمئن في حد ذاته. ولكن على الناخبين أن يكونوا على دراية بالخطر. ومن المؤكد أن وجهة نظري عن الاتحاد السوفييتي السابق والاتحاد الروسي الحالي تعود بجذورها إلى أيام خدمتي العسكرية وعملي السابق كمسؤول عن أمن الأفراد والمعلومات الحساسة في وزارة الخارجية. لقد كنت ملازماً ثانياً حديث العهد في الجيش الأميركي عام 1961 حين استدعى الرئيس جون كيندي نحو 150 ألفاً من ضباط الاحتياط استعداداً لصراع عسكري مع الاتحاد السوفييتي الذي كان يتزعمه آنذاك نيكيتا خروشوف بشأن الوضع في برلين. وكنت ضابط الخدمة في مساء أحد أيام أكتوبر 1962 حين وصلت برقية في موقعي العسكري في نيويورك ترفع حالة تأهبنا. وقامت طائرات بي- 52 ستراتوفورتريس باستعدادات تأهباً لشن ضربات داخل الاتحاد السوفييتي ووُضعت خطط لمهاجمة كوبا. وكان السبب في الأزمة اكتشاف محاولات روسية لإقامة صواريخ في كوبا. واستمرت الأزمة 13 يوماً كان العالم خلالها على شفا حرب نووية. وفي أغسطس عام 1968، راقبنا من السفارة الأميركية في بون قوات من حلف وارسو الذي يتزعمه السوفييت، وهي تغزو تشيكوسلوفاكيا لكسر حركة الإصلاح هناك. وكان هناك عملاء من الكتلة السوفييتية منتشرون في ألمانيا الغربية يحيطون ببعثاتنا الدبلوماسية. وقد كانت بلداً يعج بالجواسيس الذين يسيطر عليهم السوفييت للحصول على معلومات سرية من خلال تجنيد موظفينا أو الاختراق الفني لمنشآتنا. والمرشح الجمهوري دونالد ترامب الداعي إلى الانسجام مع روسيا، سيشير بلا شك إلى أن كلامي هنا يعود إلى أيام طال العهد عليها. وسيحتج بأن هناك روسيا الآن يقودها الرئيس فلاديمير بوتين الذي وصفه ترامب بأنه شخص «يحظى باحترام كبير داخل بلاده وخارجها». وقد يدعي ترامب الذي كال المديح لبوتين، ضابط جهاز الاستخبارات السوفييتي السابق «كي. جي. بي»، أن ملاحم التجسس من مخلفات الماضي. ولكن ترامب مخطئ. فربما انتهى جهاز الاستخبارات «كي. جي. بي» ولكن الاستخبارات الخارجية الروسية التي تعرف باسم «إس. في. آر» منتعشة. والدليل على ذلك يفجيني بورياكوف العميل الروسي الذي بدأ العمل عام 2012 مستتراً في عمل مصرفي في مدينة نيويورك ليجمع المعلومات الاستخباراتية ويتبادل المعلومات المشفرة مع جواسيس روس آخرين جاءوا سراً لجمع معلومات وإرسالها إلى موسكو. لقد اعتقل بورياكوف ووجهت له الاتهامات وأقر بالاتهامات الموجهة إليه في شهر مارس. وقد أشارت تقارير إلى أعمال قرصنة روسية على أجهزة الكمبيوتر الخاصة باللجنة القومية للحزب الديمقراطي. وفي الأسبوع الماضي، هبّ ترامب للدفاع عن بوتين، قائلاً في شبكة «إن. بي. سي. نيوز»، إنه «لا أحد يعرف هذا على أنه حقيقة». وعليه إذن أن يخبر العاملين في الاستخبارات بذلك. ثم هناك الصعود المؤقت لـ «بول مانافورت» ليصبح رئيس حملة ترامب، وهو الشخص نفسه الذي ساعد على انتخاب حليف الكرملين السابق فيكتور يانوكوفيتش رئيساً لأوكرانيا. وبعد أن امتنع يانوكوفيتش عن توقيع اتفاق تجارة مع الاتحاد الأوروبي، فرّ من وجه الاحتجاجات إلى روسيا، وأدت الإطاحة به إلى تدخل روسي في أوكرانيا. وهو «مانافورت» نفسه الذي نظم فريقه في حملة ترامب في المؤتمر الجمهوري في كليفلاند بحسب تغطية زميلي في «واشنطن بوست» جوش روجين «مجموعة من الفعاليات ليضمن ألا يتعهد الحزب الجمهوري بتقديم أسلحة لأوكرانيا إذا طلبتها من الولايات المتحدة». واستقال «مانافورت» من حملة ترامب بعد أن أشارت وسائل الإعلام إلى مزاعم بشأن حصوله على أموال سراً من روسيا مقابل عمله في أوكرانيا، وهي الاتهامات التي نفاها. ثم هناك ترامب نفسه، فقد أشارت تقارير لـ «واشنطن بوست» إلى وجود «أدلة قوية على أن أعمال ترامب الاقتصادية حظيت بتمويل كبير من مستثمرين روس». هل نسلم مقاليد السلطة لترامب المختلط بالأقلية الثرية صاحبة النفوذ السياسي في روسيا في عهد بوتين، والذي يسعى للحصول على فرص اقتصادية في موسكو، ولا يبالي باستيلاء بوتين على شبه جزيرة القرم، ويتغاضى عن غزو روسيا لأوكرانيا، ودعمها لإيران وبشار الأسد في سوريا؟ ومن يقول إن الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي «الناتو» لا يمكنها الاعتماد على مساعدتنا في حالة تهديدها من طرف روسيا إلا إذا أوفت بتعهداتهم تجاهنا؟! ومن يقول عن التدخل في الانتخابات الروسية «أنا لن أخبر بوتين بما يتعين عليه فعله»؟! ولا عجب أن يبتسم بوتين لكل هذا. فما كان لروسيا أن تجد الأمور أفضل لدى شخص خير من ترامب. لذا يتعين على الناخبين مراجعة مواقفهم. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»