عندما يتعلق الأمر بدحض وتسفيه التصريح الأحمق لدونالد ترامب الذي قال فيه إن «فلاديمير بوتين» زعيم قوي -«أقوى بكثير من زعامة رئيسنا»- ربما ليس ثمة رد أبلغ من رد بطل العالم السابق في الشطرنج «جاري كاسباروف»، الذي نقله عنه مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» آندرو هيجينز في تقريره من موسكو، والذي قال فيه: «إن فلاديمير بوتين زعيم قوي تماماً مثلما أن الزرنيخ مشروب قوي. ولكن الإشادة بضابط سابق في الـ«كي جي بي»، باعتباره أفضل من رئيس أميركي منتخَب بطريقة ديمقراطية، وسواء أكنت تحب أوباما أو تكرهه، هو أمر جدير بالازدراء وخطير». والحق أن تعليق «كاسباروف» يضع الإصبع على جوهر ما هو مخيف بشأن رئاسة ترامب: ذلك أن ترامب هو ما وصفته مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية بـ«الممثل الأول لسياسة ما بعد الحقيقة»، والمقصود بذلك الاعتماد على تصريحات «تبدو صحيحة»، ولكن ليس لها أساس من الصحة، والمؤسف أن «وقاحته لا تعاقَب، وإنما يتم التعامل معها باعتبارها دليلاً على استعداده للوقوف في وجه سلطة النُّخب». والحال أنه عندما تصبح السياسة «مثل المصارعة الحرة الاحترافية»، فإن المجتمع يدفع ثمناً باهظاً جداً -تضيف المجلة- لأن أي تفسير معقد لأي مشكلة يتم تسفيهه، والنظر إليه على أنه محاولة من قبل الخبراء لـ«خداع الناس». وهكذا، فلت ترامب ونجا من تحميل المهاجرين المكسيكيين مسؤولية المعدلات المرتفعة للجريمة، ومن اتهام الرئيس باراك أوباما باختراع «داعش»، ومن تحميل الصين مسؤولية خلق فكرة الاحتباس الحراري، ومن اتهام آلاف المسلمين في نيوجيرسي بالاحتفال بهجمات الحادي عشر من سبتمبر، ومن التأكيد أن أوباما وُلد فعلاً في كينيا، ومن الادعاء بأن تدقيقاً مالياً من قبل مصلحة الضرائب، هو الذي منعه من الكشف عن عائدات ضرائبه، الذي ربما كان سيُظهر أنه لم يدفع أي ضرائب للدولة. كلامه كذب في كذب ولكن معظم الناس في حزبه لن يطعنوا فيه. ولكم أن تتصوروا الضرر الذي يستطيع أن يُلحقه بنسيج ديمقراطيتنا إذا أصبح منبر البيت الأبيض تحت تصرفه ليمارس منه «سياسة ما بعد الحقيقة»، فكيف سيؤثر ذلك على خطاب الجمهور بشكل عام وعلى كل نقاش سياسي؟ ولنتوقف هنا لحظة، ولنتأمل العبارة السخيفة التي يروّج لها ترامب من أنه ليت أوباما كان «قوياً» مثل بوتين. حسناً، إليكم في ما يلي بعض المزايا التي كانت ستجنيها أميركا لو كان أوباما كذلك. - لقد أشار تقرير نشرته صحيفة «ذا موسكو تايمز» الروسية في 2015 إلى أن «متوسط العمر في روسيا نما بوتيرة أبطأ بكثير مقارنة مع ما كان عليه الحال في بقية العالم خلال العشرين عاماً الماضية، وفق دراسة أجراها معهد القياسات والتقييمات الصحية الذي يوجد مقره في الولايات المتحدة». وهذا يتزامن تقريباً مع زعامة بوتين للبلاد. وأوضح المقال أنه خلال الفترة الممتدة من 1990 إلى 2013 ارتفع متوسط العمر بـ1.8 سنة فقط في روسيا في حين ارتفع رقم المتوسط العالمي بـ6.2 سنة، لتصبح بذلك روسيا خارج قائمة البلدان المئة الأولى التي تسجل أعلى متوسط للعمر في العالم وتنزل إلى المرتبة 108 (بين العراق وكوريا الشمالية). وعليه، فلماذا لا يكون لدينا زعيم قوي بما يكفي لإبطاء المكاسب التي تحققت بخصوص متوسط العمر في بلد بكامله؟ منذ أن قام بوتين بغزو أوكرانيا في محاولة لزيادة شعبيته التي كانت متدنية داخل روسيا، ثم تعرض للعقوبات الاقتصادية الغربية، انتقل معدل صرف الروبل إلى الدولار من نحو 36 روبلاً إلى 65 روبلاً مقابل الدولار. كما تراجعت قوة روسيا الاقتصادية بـ3.7 في المئة في 2015، في وقت يتوقع فيه صندوق النقد الدولي أن تنخفض 1 في المئة في 2016. وفي غضون ذلك، تضاعف التضخم في روسيا ليصل إلى 15.4 في المئة في 2015، مقارنة مع 7.8 في المئة في 2014. كما نقلت هيئة الإذاعة البريطانية عن تقرير للبنك الدولي في أبريل الماضي أن «عدد الروس الذين يعيشون تحت خط الفقر سيرتفع بأسرع وتيرة له منذ أكثر من 17 عاماً في 2016». والواقع أنه لا بد من أن يكون الزعيم قوياً حقاً حتى يقلّص عملة بلده بـ50 في المئة، ويضاعف معدل التضخم، ويسرِّع معدل الفقر في ظرف عامين فقط. إنه أمر لن يقدر عليه رئيس ضعيف! واقع الأمر أن بوتين زعيم يبحث دائماً عن الكرامة في الأماكن الخطأ، من خلال الاستثمار في حروب للاستئساد على بعض البلدان، وليس في شعبه، ومن خلال سجن خصومه، ونظامه عمد للتوّ إلى إغلاق آخر شركة روسية مستقلة لاستطلاعات الرأي بعد أن أشارت إلى أن الكثير من الروس، ربما لن يصوّتوا في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت يوم الأحد الماضي، لأنهم يعتقدون أنها «مزورة»، من بين أمور أخرى. هذا هو الرجل الذي يعجب دونالد ترامب أكثر من رئيس الولايات المتحدة! ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»