لعبة الخداع الرهيبة في سوريا.. وطغيان الخطاب «الشعبوي» في الغرب لوموند نشرت صحيفة لوموند، أول من أمس الجمعة، افتتاحية بعنوان: «سوريا: لعبة الخداع الرهيبة بين القوى الكبرى في الأمم المتحدة»، قالت في مستهلها إن حجم المحنة السورية وصل الآن إلى حدود تفوق كل وصف، فوفق مصادر موثوقة وصل عدد القتلى إلى 500 ألف، وعدد الجرحى إلى مليونين. ومن بين الـ22 مليون سوري، يعتبر ما لا يقل عن النصف إما نازحين في الداخل، أو لاجئين في الخارج. كما أن مدناً كاملة يزيد عدد سكانها على 100 ألف سوِّيت بالأرض بسبب كثافة الغارات الجوية. ولا شك أن مشاهد المدنيين المفزوعين الفارين من حلب، ثاني أكبر المدن السورية، تعطي الآن فكرة عن حجم الخراب والدمار الفاجع الذي لحق بسوريا والسوريين. فهذه المشاهد كارثية، بكل المقاييس: حيث يبدو الأهالي وهم يحملون في أذرعهم أشلاء الأطفال حديثي الولادة بعد إخراجهم من تحت الأنقاض المحترقة إثر الغارات الجوية العنيفة التي لا تميز بين مدنيين ومسلحين، ولا بين أحياء سكنية وأماكن قتال. ولا يقل سوءاً عن ذلك أيضاً حال المعاناة في مخيمات النزوح واللجوء التي يتكدس فيها اللاجئون، والتي تحول كثير منها إلى معامل لتفريخ المتطرفين والمسلحين العنيفين، من كل شكل ولون. والآن بعد مرور خمس سنوات دامية من هذا الصراع المرير، ما زال الموقف يتردى باستمرار في المزيد من العنف والقصف، حيث تنهمر أطنان القنابل والبراميل المتفجرة والمقذوفات المعبأة بالكلور على رؤوس سكان البلدات والقرى السورية المحاصرة، لتقتل بشكل أعمى النساء والأطفال والمسنين. وزاد الأفق شحوباً وتشاؤماً، انخفاض سقف التوقعات من وراء الجهود الرامية كافة لاحتواء جنوح وجموح هذه الحرب المجنونة، كما لا يتوقع أحد أيضاً أن تخرج أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الجارية الآن بأي حل أو اختراق لوقف هذه المأساة الإنسانية المتواصلة بجراحها النازفة المفتوحة. والشيء ذاته يصدق أيضاً على ما آلت إليه جهود التوصل إلى هدنة التي قادها الأميركيون والروس، حيث أخفقت تلك الهدنة بأسرع مما توقع الجميع، ولم تصمد فترة سريانها حتى لمدة عشرة أيام، منذ الإعلان عنها في التاسع من الشهر الجاري. هذا في حين تمكن اتفاق على وقف القتال في شهر فبراير الماضي من الصمود لمدة شهرين، وهو ما يعني، عملياً، أن جهود احتواء العنف تتراجع في كل مرة جديدة. ويتقاذف الآن الأميركيون والروس الاتهامات بالمسؤولية عن فشل الهدنة، وقد كان يسود اعتقاد أن لدى الأميركيين من التأثير على دول حليفة لهم تدعم بعض الجماعات المسلحة في المعارضة، ما يمكنهم من الضغط عليها لوقف القتال لضمان سريان الهدنة، في حين عُلقت آمال أخرى، في المقابل، على الروس، الذين يمثل تدخلهم ما يشبه الجناح الجوي الداعم لنظام الأسد في الصراع، في حين تدعمه على البر تشكيلات مختلفة من المرتزقة الإيرانيين، واللبنانيين، والعراقيين، والأفغان. وكان المتوقع من الروس أن يمارسوا القدر الملائم من الضغط على نظام الأسد لوقف القتال لإنجاح الهدنة. ولا يخفى على الروس طبعاً أن هدف نظام الأسد هو السيطرة على كامل التراب السوري بالحرب. وفي الأخير قالت الصحيفة، إن الحرب السورية تحولت على أرض الواقع إلى حروب عدة متزامنة على أرض واحدة، حيث لم تعد تقتصر على المواجهات الثنائية بين قوات النظام ومسلحي فصائل المعارضة، فإيران أيضاً طرف، حيث تحاول الإبقاء على موطئ قدم لها في العالم العربي ممثلاً في سوريا. والمليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية والأفغانية تخوض الصراع من منطلق طائفي في سوريا. وتركيا تتدخل لمواجهة تحدي الانفصاليين الأكراد. ومن هذا المنطلق، يبقى الجهد الأميركي- الروسي لفرض هدنة، هو المسعى الوحيد غير المؤدي إلى التصعيد، وهذا يستلزم من الدولتين الكبريين مزيداً من الضغط على وكلائهما داخل سوريا، لاحترام الهدنة ووقف إطلاق النار. فمصداقيتهما تتوقف على ذلك، وتتوقف عليه أيضاً حياة السوريين. لوفيغارو في صحيفة لوفيغارو، كتب الصحفي اليميني «إيفان ريوفول» مقالاً بعنوان: «الطبقات الشعبية تكسر قيودها»، خصصه للحديث عما اعتبره هبّة شعبية ضد الحكومات الغربية، وهو يقصد بطبيعة الحال تصاعد المد الشعبوي اليميني المتطرف في العديد من الدول الأوروبية، وفي الولايات المتحدة أيضاً مع المرشح «الجمهوري» دونالد ترامب. واعتبر الكاتب أن الشعوب الغربية بدأت تنتفض، وأن هذه ليست سوى البداية، والبقية آتية في الطريق. ففي الولايات المتحدة وأوروبا، أدى حراك الشعوب الآن إلى سريان الرعدة في مفاصل العالم الميركانتيلي التجاري، ومن ورائه عولمة المبادلات المنفتحة بلا حدود أو قيود بما حملته معها من طمس للهويات. وقد تمكن دونالد ترامب، تحديداً، من الصعود محمولاً على جناحي كل من هجماته المناهضة للهجرة وخطابه الهجومي ضد النزعة الليبرالية المفرطة التي تقودها «وول ستريت» والمعسكر الحزبي «الديمقراطي» في أميركا. وفي الوقت ذاته، تتجرع الآن أيضاً المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مرارة الهزائم الانتخابية المتوالية، وكان آخر ذلك في الاستحقاق الانتخابي الجهوي في برلين، يوم الأحد الماضي. وما زالت المستشارة تدفع الثمن غالياً لقاء اتباعها سياسة الأبواب المفتوحة، ورضوخها لضغوط قطاع أرباب العمل الألمان حين قررت استقبال مليون «لاجئ» في البلاد. واليوم في مواجهة الصعود اللافت لليمين «المتطرف» ممثلاً في حزب «البديل من أجل ألمانيا»، اعترفت ميركل أخيراً بأن بعض خياراتها وشعاراتها خلال غمرات الحماس لاستقبال اللاجئين، كانت خيارات وشعارات غير ملائمة. والشيء ذاته نراه أيضاً في فرنسا من خلال تصاعد شعبية مارين لوبن زعيمة حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف، وقد صارت تتحدث في خطابها السياسي باعتبارها «مرشحة الشعب». وكل هذا الصعود اليميني الشعبوي في أوروبا وأميركا معاً سببه تنامي رغبة المنسيين، وهم الغالبية الساحقة، في الإمساك بمصيرهم بأيديهم، وهم الآن بصدد كتابة التاريخ من جديد، يقول الكاتب. ليبراسيون وعلى ذكر ظاهرة ترامب، نشر الكاتب الإيراني- الكندي حسين دارخشان، في صحيفة ليبراسيون، مقالاً بعنوان: «الكتابة ضد ترَمْبة Trumpisation -نسبة لترامب- العالم»، تحدث فيه عن بعض خلفيات بروز ظاهرة المرشح الشعبوي الأميركي، والكيفية التي تحولت بها التلفزة في العديد من الحالات إلى رافعة لأصحاب الخطاب الغوغائي، وتمكينهم من بيع سراب خطابهم الشعبوي، المنافي، بطبيعته، لمفاهيم الديمقراطية والسويّة السياسية معاً، كما هي حال ترامب. بل إن شبكة الإنترنت نفسها أخذ حضورها يتراجع في تشكيل توجهات الرأي العام مقارنة بالإعلام السمعي البصري، والشبكة العنكبوتية هي آخر فضاء إعلام عام لم يهمّشه أو يهشّمه طغيان دور التلفزيون في تشكيل الرأي العام، وفرض من يركبون الموجة السمعية البصرية وما يكتنفها أحياناً من غواية خطاب مرشحي «تلفزيون الواقع» كترامب. ويكفي أن «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما من مواقع التواصل الاجتماعي، بات يتصدر أعداد متصفحي منشوراتهما من يتصفحون الفيديوهات تحديداً، وهي الأقرب إلى الإعلام السمعي البصري، بطبيعة الحال. وخلص الكاتب أخيراً إلى أن تراجع دور وحضور الإعلام المكتوب، وبعده إعلام الإنترنت، لمصلحة الإعلام السمعي البصري، هو ما يفسر تنامي تأثير الخطاب العاطفي السطحي، والساذج. وهو ما يعني تالياً فتح الطريق لتقديم سيئ للحقائق، كذلك الذي يستغله الساسة الشعبويون، حيث يعزفون على أوتار غير عقلانية، ويتلاعبون بعقول المشاهدين من الناخبين، ويبيعونهم خطاباً زائفاً، لا يستند إلى معطيات دقيقة، ولا مؤشرات موثوقة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى الإضرار بحق الناخب في الاطلاع على الحقيقة قبل اتخاذ قراره بالتصويت للمرشح المعني في أي استحقاق انتخابي مهم. إعداد: حسن ولد المختار