مع اقتراب موعد المناظرات الرئاسية، بتنا نحن -معشر الصحافيين- أمام جدل محتدم: كيف ينبغي أن نكتب عن الشعبويين المخادعين؟ تقليدياً، يتعاطى الصحافيون الأميركيون مع المواضيع الخلافية عبر نقل أقوال الأطراف المختلفة وترك الجمهور ليقرر بنفسه. غير أن البعض منا يحاجج بأن هذه المقاربة لم تنجح في هذا الموسم الانتخابي وبأننا -نحن الإعلاميين– ساعدنا ودعمنا دجالا من خلال منحه منبرا وعدم العمل على التحقق من أقواله ومطابقتها للحقيقة. والحال أنه إذا روّج أحد الدجالين لدواء ما زاعماً أنه يجعل الناس يفقدون 10 كيلوغرامات، ويحسّن حياتهم الجنسية، فإننا لا نكتفي بنقل كلام ذاك الرجل وكلام أحد النقاد، وإنما نسعى لنوضح للقراء أنه كاذب ومخادع. فلماذا لانفعل الشيء نفسه عندما يترشح الدجال لمنصب الرئيس؟ بصراحة، ينبغي أن نشعر بالذهول لكون العديد من الأميركيين صدقوا فكرة أن هيلاري كلينتون شخص أقل صدقا من دونالد ترامب، ما منح هذا الأخير امتيازا في استطلاعات الرأي بخصوص الثقة. والحال أنه لا مجال للمقارنة! أحد الأمثلة كثيرة التداول على كذب هيلاري هو ادعاؤها غير الصحيح في 2008 بأنها تعرضت لإطلاق نار من قبل قناص بعد أن حطت طائرتها في البوسنة، وكانت السيدة الأولى في أميركا. أما في ما يتعلق بترامب، فالمرء لا يحتاج للعودة ثماني سنوات إلى الوراء: فقد وجد أحد البحوث أنه يكذب أو يقول قولا غير دقيق كل خمس دقائق عندما يتحدث. لكني أستطيع أن أتفهم كيف أن التغطية الإعلامية المكثفة لقضية البريد الإلكتروني الخاص بهيلاري قد تدفع بعض الناخبين للنظر إلى ترامب على أنه شخصية أكثر صدقا ونزاهة. بالطبع لا ينبغي أن نغطي على أخطاء هيلاري، لكن عندما يعتقد الجمهور أن شخصا كاذبا مثل ترامب هو المرشح النزيه والصادق، فإنه يصبح من واجبنا السعي لكشف الحقيقة وتبيان خداع المخادعين. وأنا أتابع التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية هذه السنة، كان ينتابني أحيانا الشعور المزعج نفسه الذي كانت يخالجني خلال الفترة التي سبقت الحرب على العراق، من أننا نحن العاملين في الإعلام نساهم ونعبّد الطريق لنتيجة سيئة لبلدنا، ذلك لأنه خلال النقاش حول غزو العراق، كانت المؤسسات الإعلامية تكتفي بنقل أقوال وحجج كل طرف، ولم تكن تشير على النحو الكافي إلى ما كان واضحا بالنسبة لكل مراسل صحفي في المنطقة: فالأميركيون لن يُستقبلوا بالزهور في العراق وإنما بالقنابل. لكن لأننا حرصنا على عدم السقوط في الصراعات الحزبية، لم نضطلع بدورنا وخذلنا بلدنا. واليوم، عندما يقوم البعض في القنوات التلفزيونية بتخصيص تغطية إعلامية واسعة لترامب دون التحقق من صدق تصريحاته ومدى خطورة مواقفه، فإن ذلك جيد من أجل نسب مشاهدة مرتفعة ولجلب الإعلانات، فإننا نخذل بلدنا مرة أخرى ونقوم بالتطبيع مع الكذب والتطرف. صحيح أن التحقق من صحة تصريحات المرشحين في حملة انتخابية أمر صعب، وصحيح أن أنصار هيلاري يحاولون دفع الإعلام لضرب ترامب، وأن الحقيقة قد تكون نسبية أحيانا، وتعتمد على من ينظر إليها.. فالصحافة الجيدة صعبة وحبلى بالتحديات. غير أن العمل الصحفي يقتضي الصراحة وقول الحقيقة، ومن ذلك الإشارة إلى الكذب حين نراه. وشخصيا، أعتقدُ أن مديري المناظرات يمكنهم الضغط على ترامب عندما يكذب أو يحاول التهرب من الأسئلة الصعبة. إن واجبنا هو أن نتقاسم مع جمهورنا الأشياء التي نعرفها. المشككون يقولون إن تغطية أكثر نقدا وصرامة قد لن تحدث أي فرق، على اعتبار أن 6? فقط من الأميركيين يقولون إن لديهم ثقة كبيرة في الصحافة. ثم إنه ربما لا توجد حقائق أكثر وضوحا من أن أوباما مولود في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن 62? فقط من الناخبين الأميركيين يقولون إنه مولود هنا. وبالتالي، فالحقائق قد تكون عنيدة، لكن كذلك الحال أيضا بالنسبة للأكاذيب والأفكار الخاطئة. غير أنه حتى إذا بدا أن ترامب منيع أمام ذلك، فعلينا القيام بعملنا في جميع الأحوال، فمن واجبنا تجاه جمهورنا أن نقول له إن معظمنا لم يسبق أن التقى مرشحا وطنيا، يضاهي ترامب جهلا وخداعا وتهربا. نيكولاس كريستوف محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»