من فلاح مهاجر فقير إلى رئيس ذي شعبية كبيرة تضاهي شعبية نجوم موسيقى الروك، لعب لويس إينياسيو لولا دا سيلفا أدواراً كثيرة على مر السنين، غير أن دور المتهم في أكبر فضيحة فساد تهز أميركا اللاتينية سيمثل سابقة. «لولا» ينفي التهم الموجهة إليه جملة وتفصيلاً – إنه متهم بتلقي نحو 1.1 مليون دولار من الرشى على شكل أعمال تحسين منزلية من متعاقد مع شركة النفط المملوكة للدولة «بيتروبراس» – وقد اشتكى أمام أنصاره في حزب العمال مؤخراً والدموع تغالبه من أنه ضحية لحملة مغرضة من قبل المدعين العامين. قضية «لولا»، التي تُعتبر انتكاسة للرمز السياسي البالغ من العمر سبعين عاماً، تمثل أيضاً نقطة تحول بالنسبة للبرازيل، التي قد لن تفقد سياسياً كبيراً فحسب ولكن أيضاً «الحزب السياسي الأكثر نجاحاً في التاريخ الحديث للبلاد»، مثلما قال لي المحلل السياسي أوكتافيو أموريم نيتو، من مؤسسة جيتوليو فارجاس، ذلك أنه منذ عهد جيتوليو فارجاس – الزعيم الوطني الشهير الذي حوّلت سياساتُه القائمة على رأسمالية الدولة ومزايا للعمال البرازيل إلى دولة رفاه اجتماعي شعبوية في القرن العشرين – لم يسبق لسياسي أن هيمن على الحياة العامة في البرازيل مثلما فعل «لولا». والواقع أنه كثيراً ما يشار إلى «لولا» باعتباره «جيتوليو الجديد»، بعد أن نجح في انتشال الفقراء من الفقر وتحويل البرازيل إلى مجتمع ذي أغلبية من الطبقة المتوسطة، ولكن هذه نصف الحقيقة فقط، ذلك أنه إذا كان تراجع الفقر وتوسع الطبقة المتوسطة قد شكّلا العناوين الرئيسية عبر أميركا اللاتينية خلال فترة حكم «لولا»، فإن نجاح «لولا» الرئيسي كان هو القدرة على تغيير المشهد السياسي والتخلي عن الأوهام والأفكار الفضفاضة وغير الواقعية خلال صعوده للسلطة. ولنتذكر هنا أن «لولا» صعد من اليسار الغاضب، ولكنه بعد ثلاث محاولات ترشح فاشلة للرئاسة، مال إلى الوسط، وارتدى بذلة، وشذب لحيته، وسعى للتقرب من الطبقة المتوسطة البرازيلية والرأسماليين الذين كان يهاجمهم. تلك البراجماتية أكسبته الانتخابات وسمحت له بالاستفادة من موجة ارتفاع أسعار السلع في الأسواق الدولية خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من دون المجازفة بالاستقرار الاقتصادي الذي ورثه عن الحكومات السابقة، كما أتاحت له تلك الطفرة موارد مالية لينفقها على برامج قوية لمحاربة الفقر، على غرار مبادرة «بولسا فاميليا» (راتب العائلة)، وأفكاراً لمكافأة شركات مفضلة بتخفيضات ضريبية وقروض ميسرة، وهي ممارسة كان يصفها المنتقدون بـ«بولسا إمبريساريو»، أو «الراتب التنفيذي». وبالطبع، فإن هذا الإنفاق السخي نفسه، الذي استمر لوقت طويل حتى بعد انتهاء طفرة السلع، هو الذي دفع البرازيل لاحقاً إلى أسوأ ركود اقتصادي تشهده منذ قرن من الزمن، وكان سبباً في طرد خلف «لولا» ديلما روسيف من السلطة بسبب تلاعبها في الميزانية والحسابات. وفي الأثناء، تسببت علاقات الحزب الحاكم مع شخصيات من عالم المال والأعمال في جعل شخصيات كبيرة، والآن «لولا» نفسُه، محل تحقيق من قبل المحققين. ومن بين من شملتهم اعتقالاتُ الشرطة اثنان ممن كانا يمثلان في وقت من الأوقات الدائرة المقربة من «لولا»، هما وزيرا المالية السابقان أنتونيو بالوتشي فيلهو، الذي اعتُقل هذا الأسبوع، وجيدو مانتيجا، الذي اعتُقل لوقت قصير قبل أن يُفرَج عنه لاحقاً الأسبوع الماضي. ولكن على الرغم من أن هدف التحقيق في ادعاءات الفساد هو التطهير، فإن انهيار حركة «لولا» السياسية ترك آثاراً لا تخطئها العين في النظام السياسي البرازيلي. فعلى الرغم من كل عيوبه، فإن حزب «العمال» – الذي هو عبارة عن تحالف بين النقابات العمالية، ورجال دين كاثوليك (ليبراليين اجتماعياً)، ومثقفين ماركسيين – كان التنظيمَ السياسي المعاصر والمستقل الوحيد الذي صعد في البرازيل خلال النصف الأخير من القرن العشرين. وبفضل برنامجه «اليساري» وقدرته على حشد الدعم بين شباب الجامعة والعمال، تميز الحزب عن بقية القوى السياسية في البرازيل، ذلك أن ثمة 27 حزباً سياسياً في الكونجرس البرازيلي، ومعظمها مشهور بشهيته السياسية أكثر من شهرته بالرؤية والتبصر، وهذا يشمل أيضاً حزبَ الرئيس ميشيل تامر «الحركة الديموقراطية». ويقول أموريم نيتو: «إن ما أخشاه الآن هو أن يترك انهيارُ حزب العمال البرازيل بنظام حزبي لا هو عقلاني ولا هو فعال». ماك مارجوليس محلل سياسي مقيم في «ريو دي جانيرو» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»